ـ[نصر الدين المصري]ــــــــ[27 - 08 - 06, 12:19 م]ـ
الفصل الثالث:
تفنيد الأدلة التي استند إليها أهل القياس
أرى و الله أعلم أنه بعد تفنيد هذه الأدلة لن يبقى لمعتذر عذر و لا لمتأول شبهة إلا من اتبع التقليد، و سأبدأ بالأدلة التي ساقها الأخ الحبيب المقلد أبو إسلام عبد ربه الذي يصر على حصر المسلمين في عالم مجتهد و مقلد ولا ثالث لهما، وذلك بناء على رغبته بعد أدرج رابط موضوعه عن إثبات حجية القياس.
فأدلته هي أظهر الأدلة و أصحها في الثبوت، و لا يكاد يبقى بعدها شئ يعتد به.
إبطال الدليل الأول:
قوله تعالى (فاعتبروا يا أًَُولي الأبصار)
سئل أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب –وهو من أئمة اللسان عن "الاعتبار " فقال:أن يعقل الإنسان الشيء فيعقل مثله. فقيل: أخبرنا عمّن ردّ حكم حادثة إلى نظيرها أيكون معتبراً؟ قال: نعم هو مشهور في كلام العرب.
وثعلب ممن يُعَّول على قوله في اللغة والنقل عن العرب.
ونقل القاضي أبو بكر في" التقريب" اتفاق أهل اللغة على أن ّ الاعتبار اسم يتناول تمثيل الشيء بغيره واعتباره به، واجراء حُكمه عليه، والتسوية بينهما في ذلك.
وقد جاء في لسان العرب باب" عبر":
) المُعَْتَبِِر: المستدل بالشيء على الشيء .... وفي التنزيل: (فاعتبروا يا أُولي الأبصار) ,أي تدبروا وانظروا فيما نزل بقريظة والنضير , فقايسوا فعالهم واتعظوا بالعذاب الذي نزل بهم.) انتهى
وجاء في" مقاييس اللغة " مثل ذلك.
ومن المعلوم أن الكتاب نزل بلغة العرب فيؤخذ اللفظ بمعناه عند العرب ما لم يدل دليل على أن الشارع استعمل اللفظ بغير معناه اللغوي.
لا اعتراض على كل ما ذكر في معنى الاعتبار رغم إيجازه الشديد و عدم تحقيقه الدقيق لمعنى الاعتبار، و لكن السؤال هل يدل قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) على القياس؟
معنى لفظ الاعتبار:
الاعتبار في اللغة مشتق من العبور، و العبور يعني المجاوزة، فمثلا:
# يُقال عبر الرؤيا أي تجاوزها إلى تفسيرها كما في قوله تعالى (إن كنتم للرؤيا تعبرون)
# و الدمعة تسمى العبرة لأنها تعبر من الجفن،.
# و يدخل في مسمى الاعتبار كذلك عبور الطريق و عبور النهر و نحو ذلك،
# و سمي الاتعاظ بالقول أو الحادثة اعتبارا لأن المتعظ يعبر العلم بالقول أو الحادثة إلى تأمل حكمتها و دلالاتها.
# و يمكن أن يسمى الاستدلال بالدليل على المدلول اعتبارا لأن المستدل يتجاوز الدليل إلى المدلول.
# و يمكن أن يسمى الارتداد عند من لاحت له شبهة في دينه اعتبارا لأن المرتد يعبر و يتجاوز الإسلام إلى الكفر.
# و أخيرا .. يمكن أن يسمى القياس اعتبارا لأنه يعني المجاوزة و العبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع.
و يمكن أن نسرد عشرات الأمثلة من هذا القبيل ..
و لما كان القياس لم يُعرف قبل التشريع، فهو لم يدخل في مسمى الاعتبار في لغة العرب إلا بعد أن أوجده القياسيون. أقول ذلك حتى لا يظن أحد أن لفظ الاعتبار في لغة العرب يعني في الأصل من جملة ما يعنيه القياس في الإحكام الشرعية.
و لو كان الأمر بالاعتبار في الآية على إطلاقه و يعني القياس من جملة ما يعنيه، فلابد من إلحاق كل صور الاعتبار التي قد لا تحصى بالقياس في الوجوب.و لا يخفى على عاقل بطلان ذلك.
فكيف نفهم معنى الاعتبار في الآية؟
لابد ألا ننزع الأمر بالاعتبار من السياق، لأن السياق هو الذي يحدد معنى الاعتبار.
قال تعالى (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)
هذه الحادثة المذكورة في الآية لا يمكن أن يُقاس عليها حكما، لكن يُتعظ بها، فيكون الاعتبار هنا بمعنى الاتعاظ و هو كما قلت تجاوز و عبور العلم بالحادثة إلى تأمل حكمتها و دلالاتها. و لعل من أهم هذه الدلالات أن غلبة ظن المؤمنين لا تتفق مع مراد الله، فعلى المتعظ الاعتبار بذلك و ألا يركن إلى غلبة ظنه، و في تلك العظة إبطال للقياس لأن القياسيين يركنون إلى الظنون.
كما نجد أن لفظ العبرة لا يأتي في القرآن إلا بمعنى الاتعاظ، و هذه المواضع التي ورد فيها:
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)
¥