فمثلا ابن حزم قاس رحمة الله على رحمة البشر، فوصل إلى تعطيل صفة الرحمة عن الله حيث قال (وقد علمنا أن الله تعالى أرحم الراحمين .. وهو تعالى يبتلي الأطفال بالجدري .. والذبحة والأوجاع حتى يموتوا وبالجوع حتى يموتوا كذلك ويفجع الآباء بالأبناء وكذلك الأمهات والأحباء بعضهم ببعض حتى يهلكوا ثكلا ووجدا وكذلك الطير بألاودها وليست هذه صفة الرحمة بيننا فصح يقينا أنها أسماء الله تعالى سمى الله تعالى بها نفسه غير مشتقة من صفة محمولة فيه تعالى) انتهى كلامه
فالله تعالى ليس كمثله شئ و كل ما يتعلق به ليس كمثله شئ، و الابتلاء بتسليط العذاب يقدح صفة الرحمة عند البشر و لا يقدحها عند الله فرحمته وسعت كل شئ.
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
و هذه الأدلة الثلاثة أظهر ما استدل به القياسيون من النص على حجية القياس و قد تبين مما سبق أنها لا تمت لإثبات القياس بصلة بل في الدليل الأول و الثاني إبطال للقياس.
و قبل الانتقال إلى تفنيد الأدلة الموقوفة عن الصحابة، أود التذكير بما سبق و سقته في الدليل السابع من الفصل الثاني من هذا الموضوع، فقد جمعت عدة آثار عن الصحابة تثبت إبطالهم للقياس بأركانه الأربعة و هي الأصل و الفرع و العلة و الحكم. بينما لا نجد في الأدلة التالية شيئا من ذلك.
إبطال الدليل الرابع:
روى الإمامُ مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " قال ابن عباس: " وأحسب كل شيء مثله "
وأخرجه الإمام البخاري بلفظ: " ولا أحسب كل شيء إلا مثله"
ورواه ابن ماجة بلفظ: " وأحسب كل شيء مثل الطعام "
وهذا قياس صريح من ابن عباس – رضي الله عنهما- حيث قاس كل مبيع على الطعام.
أولا:
كنت قد فصلت القول في هذا الحديث في الفصل الأول من هذا الموضوع فقلت:
قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
فقد دل النص أن هناك بعض المشتبهات، يتحقق فيها بعض أوجه الشبه مع المحرمات، و هذه المشتبهات قد سكت عنها النص ولا ريب و إلا كانت من الحلال البين أو الحرام البين، فمن أراد الاستبراء لدينه فعليه اتقاء الشبهات إي إلحاقها بالمحرمات دون القطع بحرمتها، فهذا سبيل الظن، فإنه لا يعلم ما الحرام منها و لو أكثر من الوقوع فيها لوقع حتما في الحرام.
و قد فعل ذلك ابن عباس، كما صح في الحديث الذي رواه رضي الله عنه قال (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله (
فقد استخدم ابن عباس لفظ) أحسب) و الحسبان يفيد الشك، و هذا الحسبان لا يقوم به حكم ملزم لأحد، فالشبهة هنا أن يلحق كل شئ بالطعام في تحريم البيع قبل الاستيفاء. فكأن ابن عباس يقول لا أدري أحلال ذلك أم حرام، فمن أراد الاستبراء لدينه و عرضه فليتقه.
ثانيا:
القياس لا يدخل في باب الحسبان الدال على الشك والمذكور في الحديث، فلم يقل أحد من القياسيين و أحسب الحكم كذا، لأن الحسبان ليس دينا واجب الإتباع.
ثالثا:
لو استخدم ابن عباس لفظ يفيد اليقين أو أسقط لفظ أحسب فقال (و كل شئ مثله)، فحجة الحديث ستكون ضعيفة للغاية فهذا لا يمت بصلة لقياس العلة، التي هي مرتكز القياس، بل هذا القياس سيكون أحد أنواع قياس الشبه و هو الشبه في الحكم و لم يأخذ به سوى الشافعية و بعض الحنابلة و أبطله أكثر أهل القياس.
رابعا:
اعترض الأخ الحبيب أبو إسلام على ما سبق فقال:
ولفظ ابن عباس في صحيح البخاري هو
قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله
ونفس اللفظ في مسند الإمام أحمد ومسند الشافعي وعند البيهقي في سننه
وأسألكم: هل هذا شك من ابن عباس أم تأكيد؟!!!
إنه صريح في التأكيد
فأنت إذا قلت لشخص آخر:
لا أحسبك إلا زنديقا كافرا
فهل هذا تأكيد منك لاتهامك أم شك؟!!!
ولنا أن نتعجب حقا كيف تجرأ الأخ نصر الدين على تحريف معنى لفظ ابن عباس
¥