تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العلم – كما تقدم - هو اليقين أننا نقيم حكم الله عند العمل بالنص، و لما كان الظن (الذي هو دون اليقين) باطلا على عمومه كما أوضحت فلابد من تخصيص الحالات التي يجب فيها إتباع الظن، فلا نتبع الظن إلا فيما خصصه الله.

و من أمثلة هذا التخصيص قوله تعالى (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا).

و منها أننا نقبل شهادة العدول رغم أننا لا نعلم السرائر و قد قال تعالى (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) فنفى عنا العلم بمن اتقى و شرع لنا أن نحكم بما ظهر لنا من أمر العدل.

و منها قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) و قد حجب الله عنا العلم بالغيب.

فهذا التخصيص و إن كان اتباع للظن في ظاهره إلا أنه في حقيقة أمره من العلم لأن الله أمرنا به فنكون على يقين أننا نقيم حكم الله باتباعه، و لا نخالف بذلك النهي في قوله تعالى (و لا تقف ما ليس لك به علم) .. أما القياس فالظن فيه غير ذلك لأن احتمال الخطأ فيه وارد بإقرار القياسيين، فيكون بذلك قفو لما ليس لنا به علم.

الرد على اعتراضات الأخ أبي إسلام:

أولا: اعتراضه بأننا نتبع الظن فيما كان من النصوص دلالته ظاهرة غير قطعية.

قلت: لا يجوز صرف النص عن ظاهره إلا بنص آخر مبين أو إجماع متيقن، لقوله تعالى (و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)، فمادامت مهمة النص البيان لا الإشكال فلا يصح القول بأن الدلالة غير الظاهرة معتبرة، لأنه بذلك يقع الإشكال بين الدلالة الظاهرة و الدلالة غير الظاهرة فيفقد النص صفة البيان. كما يفقد النص بذلك صفة التيسير التي أقرها الله تعالى بقوله (فإنما يسرناه بلسانك). و من ذلك نصل إلى أن الدلالة الظاهرة تفيد القطع ما لم يصرفها عن ظاهرها صارف.

و لا يخفى أن ترك الدلالة الظاهرة هو سبيل الفرق الباطنية لتعطيل العمل بالنص.

و قد أقر الأخ أبو إسلام اتفاق العلماء المعتبرين على العمل بالدلالة الظاهرة، فالخلاف هنا لفظي إلى حد ما.

ثانيا: اعتراضه بأننا نتبع الظن فنعمل بخبر الواحد الثقة في الأحكام عندما لا نستطيع الجزم بأن قد بلغنا جميع طرق الخبر.

و قد سألته هل ينطبق ذلك على خبر الواحد الثقة في العقيدة؟

لأن العقيدة علم و ليست عمل، و هو أوجب العمل بخبر الواحد الثقة في الأحكام و نفى العلم به عندما لا نستطيع الجزم ببلوغ جميع طرقه إلينا، ولو صح ذلك لوجب عليه إبطال خبر الواحد الثقة في العقيدة عندما لا نستطيع الجزم بأن قد بلغنا جميع طرقه، و ذلك أن العلماء الذين يقلدهم قد اتفقوا أنه لا يجوز اتباع الظن في العقيدة.

أقول: قد سبق بيان أن ما كان ظاهره الظن قد يكون علما إن ثبت أن الله تعالى قد شرعه لنا، فهل شرع الله لنا الأخذ بخبر الواحد الثقة علما و عملا و إن لم نقف على جميع طرقه؟

الجواب: نعم ... و الأدلة على ذلك كثيرة:

# منها أنه كان من المحال الوقوف على جميع طرق الخبر قبل القرن الرابع الهجري عندما تم جمع السنة، و لو صح مذهب أبي إسلام لوجب على السلف قبل القرن الرابع الهجري رد كل أخبار الآحاد الثقات في العقيدة، لأن العقيدة علم و ليست عمل، و لا يجوز اتباع الظن فيها. و لكننا علمنا بالتواتر أن السلف لم يردوا هذه الأخبار.

# و منها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرسل معاذا وحده إلى اليمن ليعلم الناس الإسلام، فكان كل ما علمه للناس خبر واحد ثقة، و لو كان خبر الواحد الثقة لا يفيد العلم لاحتمال الخطأ لأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع معاذ من يراجعه إذا أخطأ، و كذلك كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرسل رسولا واحدا إلى كل منطقة ليعلم الناس دينهم، فثبت بذلك أن خبر الواحد الثقة يفيد العلم بإذن من الله، و لا يقدح ذلك احتمال الخطأ، فقد قال تعالى (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به).

# و منها أن مذهب أبي إسلام فيه إبطال لأخذ العلم من أستاذ واحد لأن كل ما يخبر هو خبر واحد ثقة لا يفيد العلم!!! و لوجب على كل من لم يجدوا سوى شيخ واحد يعلمهم دينهم في بلدتهم أن يتحول الدين عندهم إلى مجرد ظنون (!!)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير