ثالثا: اعتراضه بأننا نتبع الظن عند الخلاف في تحقق شرط العدالة للراوي و عند الخلاف في توثيقه.
و أسأل أبا إسلام بدون الخوض علم الرجال و مصطلح الحديث، هل نستطيع تمييز الحديث الصحيح يقينا أم لا؟
فإن قلت لا فقد أنكرت تكفل الله بحفظ الذكر دون اختلاطه بالأخطاء و الأوهام و الوضع.
و إن قلت نعم نستطيع تمييز الحديث الصحيح يقينا، أقررت أن هذا الخلاف لن يؤدي إلى إتباع الظن. فيسقط استدلالك به.
رابعا: اعتراضه بأننا نتبع الظن عندما نعمل بالمطلق على إطلاقه و العام على عمومه رغم احتمال وجود مقيد أو مخصص لم يبلغنا.
في الرد يمكن تكرار ما أورته في البند ثانيا مع استبدال (الجهل بالمقيد أو المخصص) بـ (احتمال خطأ الثقة).
خامسا: اعتراضه بأننا نتبع الظن عندما نقبل شهادة المرأة رغم احتمال الخطأ و النسيان، و نقبل شهادة العدل رغم عدم علمنا بسريرته.
و قد سبق الرد على ذلك في بند (متى يجب اتباع الظن؟) و أوضحت أن ما كان ظاهره الظن يكون علما إن ثبت أن الله تعالى قد شرع لنا الأخذ به، و لا نخالف بذلك النهي في قوله تعالى (و لا تقف ما ليس لك به علم).
أما حديث ابن عباس فقد سبق بيان الأصل الذي بنى عليه كلامه في أدلة إبطال القياس.
الخلاصة:
قد تبين أن كل الاعتراضات التي ظن الأخ أبو إسلام أن فيها إتباع للظن تختلف عن القياس من وجهين:
الأول:
أن هذه الاعتراضات و إن كان ظاهرها الظن إلا أنها من العلم الذي شرعه الله لنا، و عندما نتبعها نكون على يقين أننا نتبع الحق الذي أراده الله، أما القياس فقد تم إثبات أن الآخذ به لا يدري إن كان مصيبا أم مخطئا، فاتباعه للقياس داخل في اتباع الظن المنهي عنه. و هو بقياسه يخالف قول الله تعالى (و لا تقف ما ليس لك به علم).
الثاني:
أن هذه الاعتراضات لن تحدث إشكالا عند العمل بقوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) أما القياس فإنه يُبطل العمل بهذه الآية إذ لا يمكن حل التنازع بأحكام مقاسه متنازع فيها أصلا بين راجح و مرجوح.
و بذلك لا يصح الاستناد إلى هذه الاعتراضات لقبول الظن في الأحكام المقاسة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[09 - 09 - 06, 05:06 ص]ـ
يا أخي الكريم لقد سئمت من كثرة ما أرى في كلامك من تناقضات!!
هذه الآية {فإن تنازعتم في شيء} ليس فيها أن هذا الرد سيحل التنازع، فمن أين لك هذا الاستنباط؟
والعلماء من عصر الصحابة إلى الآن يختلفون في المسائل الفقهية، ويرجعون إلى النصوص عند التنازع، ومع ذلك لم ينتهِ الخلاف قط!
يا أخي الكريم هذه الآية في وجوب الرجوع إلى النصوص الشرعية وعدم مخالفتها، وليس فيها حصر أوجه الاستدلال من قريب أو بعيد.
وإذا رجعنا عند التنازع إلى آية في القرآن ثم اختلفنا في فهمها، فهل انفض التنازع بيننا؟!
وإذا رجعنا عند التنازع إلى حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم اختلفنا في فهمه، فهل انفض التنازع بيننا؟!
هذه الآية خارج محل النقاش تماما، فنحن الآن متفقون على الأخذ بالنصوص، ومتفقون على الرد إليها عند التنازع، ولكن الخلاف بيننا في فهم هذه النصوص وتنزيلها على الوقائع.
والإشكال الذي سبق أن ذكرتُه لك أنك لا تفرق بين (الكتاب والسنة) و (فهمك للكتاب والسنة)
فالأول حجة بلا نزاع، والثاني ليس بحجة إلا إن وافقتُك على هذا الفهم.
ولذلك فإننا عند التنازع في فهم النصوص (تأمل في فهم النصوص وليس في النصوص) فإنه يجب الرجوع إلى الأصول الشرعية العامة التي ثبتت بعشرات أو مئات النصوص بحيث لا يحتمل التنازع في فهمها؛ لأن الاختلاف في الفهم إن تطرق إلى نص من النصوص، فلا يمكن أن يتطرق إلى مئات النصوص المتواردة على معنى واحد.
ولهذا ذكرتُ لك مرارا كتاب الموافقات للشاطبي؛ حيث إنه - خلافا لمعظم الأصوليين - بنى كتابه على استقراء لنصوص الشرع، بحيث لا يتخلف منها شيء في تقعيد القواعد، فإن تخلف شيء عن القاعدة لم يصلح أن تكون قاعدة كلية.
ولهذا سألناك عن المقاصد الشرعية واعتبارها، فهل تقول: إن الشريعة جاءت بمقاصد معينة دلت النصوص الكثيرة جدا على اعتبارها، بحيث ينظر المجتهد إليها عند تعارض أوجه النظر لديه؟
أو تقول - كما يقول ابن حزم - إن الله عز وجل يأمر بما يشاء كيفما شاء، وليس في أمره حكمة مطلقا، ولا مانع من أن يأمرنا بالكفر والتثليث (والعياذ بالله)، كما أنه لا مانع من أن يأمرنا بالظلم والسرقة وعقوق الوالدين؟ ولولا أن النصوص جاءت بذلك ما علمنا أن هذا حلال وهذا حرام؟
إن كنتَ تقول بذلك فلا مجال للنقاش معك من الأساس.
أما إن كنت تقول بأن الشريعة جاءت لمصالح العباد في دينهم ودنياهم، وأن هذه المصالح تعرف باستقراء النصوص، وتتبعها في الكتاب والسنة، والعمل بمقتضاها فللنقاش مجال.
والسلام عليكم ورحمة الله
¥