ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[09 - 09 - 06, 05:24 ص]ـ
مشكلة هذه والله؛
اقتطاع بعض النصوص والاستنباط منها مع نبذ باقي النصوص؛ ثم الكر على هذه النصوص الأخرى إما بأنها خاصة مرة، أو بأنها مؤولة مرة، أو بأنها خارج محل النزاع!
يا أخي الكريم، ما أدراك أن لفظ (العلم) ولفظ (الظن) يفيد ما ذكرت؟
أتحداك أن تأتي بدليل قطعي على الفهم الذي فهمته؟
الصواب المعمول به عند جماهير أهل العلم أن فهم النصوص يجب أن يكون مبنيا على جمع هذه النصوص جميعا، والتأليف بينها وعدم ضرب بعضها ببعض!!
وإذا أتى لفظ بمعنى في نص، فليس شرطا أن يكون بهذا المعنى في كل نص.
وفي فهم كلام الشارع لا بد من تتبع الألفاظ في مظانها، وفهمها على مقتضى سياقاتها الواردة فيها، وليس بالنظر في نص واحد دون غيره!، وكذلك بالاهتداء بكلام العرب في فهم المعاني.
أتيتَ إلى قوله تعالى: {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} {وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} فجعلتهما محكمين، وضربتَ بباقي النصوص عرض الحائط؟!!
ما هذا سبيل أهل العلم يا أخي الكريم، والجمع بين النصوص هو المقدم على ادعاء التخصيص وأمثال هذه الترهات!
لفظ العلم لا يشترط أن يفيد القطع؛ قال تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}، وقال تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا}.
وأنا أسألك سؤالا:
هل خالف بعضُ الصحابة نصوص الكتاب والسنة أحيانا أو لا؟
إن قلت: لا، كان كلامك واضح البطلان؛ لكثرة ما ورد عنهم في ذلك، لأن اختلافات الصحابة لا تحصر.
وإن قلت: نعم، قلنا: فهل الصحابي الذي خالف السنة في بعض المسائل تكلم بعلم في هذه المسألة أو تكلم بظن؟
إن قلت: تكلم بعلم، فقد أخطأت؛ لأنك زعمتَ أن العلم يفيد القطع، ولا يمكن أن يقطع الصحابي بشيء مخالف للسنة.
وإن قلت: تكلم بظن، فقد خالفت نفسك؛ لأنك زعمت أن الكلام بالظن محرم؛ والصحابة لا يجتمعون على فعل المحرم.
وصواب الجواب في هذه المسألة؛ أن هذا الصحابي تكلم بعلم، ولكنه ليس بالمعنى الذي تفهمه أنت بأن العلم قطعي؛ بل العلم هو معرفة الراجح والمرجوح، فمن تعارضت لديه الأصول أو الأدلة أو القواعد فأخذ بأقربها إلى الحق في نظره، أو بأشبهها بالنصوص لم يكن قائلا بالظن المذموم، بل كان عاملا بدليل راجح لديه.
وسؤال آخر:
إذا نظر الفقيه في مسألة من المسائل فرأى أن الأدلة أو القواعد أو الأصول تعارضت لديه، واختلفت وجوه النظر عليه، ثم رأى أن أقربها إلى الحق في وجهة نظره كذا وكذا، وأن أشبهها بنصوص الكتاب والسنة كذا وكذا، ولم يستطع أن يقطع فيها بحكم، فأنت هنا بين أمور:
إما أن تقول له: توقف ولا تفتِ في هذه المسألة إلا بقطع ويقين، وحينئذ تتعطل مصالح العوام والمستفتين؛ لأن كثيرا من المسائل التي يسألون عنها من هذا الباب.
وإما أن تقول له: يفتي بما رأى أنه مرجوح لديه مع عدم اقتناعه به؛ لأنه هو العفو المأمور به {وما سكت لكم فهو عفو}، وحينئذ تقع في قول لم يقل به أحد من الفقهاء؛ فما علمنا أحدا من الفقهاء قط أفتى بما يترجح له خلافه.
وإما أن تقول له: يفتي بما رأى أنه الراجح لديه، وحينئذ تقع في التناقض؛ لأنه أفتى عندك بظن، والفتوى بالظن حرام لا تجوز.
الظن ورد في الشرع لمعانٍ كما سبق ذكره، وأنت حاولتَ أن تأخذ منها معنى واحدا وتؤول الباقي، والجمع بين النصوص أولى من ضرب بعضها ببعض.
فما المانع أن يكون الظن محمودا في أحوال مذموما في أحوال؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[09 - 09 - 06, 05:36 ص]ـ
قد تبين أن كل الاعتراضات التي ظن الأخ أبو إسلام أن فيها إتباع للظن تختلف عن القياس من وجهين:
الأول:
أن هذه الاعتراضات و إن كان ظاهرها الظن إلا أنها من العلم الذي شرعه الله لنا، و عندما نتبعها نكون على يقين أننا نتبع الحق الذي أراده الله، أما القياس فقد تم إثبات أن الآخذ به لا يدري إن كان مصيبا أم مخطئا، فاتباعه للقياس داخل في اتباع الظن المنهي عنه. و هو بقياسه يخالف قول الله تعالى (و لا تقف ما ليس لك به علم).
والقياس أيضا عند القائلين به من العلم الذي شرعه لنا؛ فلا وجه للاعتراض بهذا الكلام؛ لأنه من باب الاعتراض بالمسألة المتنازع فيها.
وحينما يخبرنا الله عز وجل أن الخمر حرام فإننا نحرم كل مسكر، وإن لم يرد بذلك النص الصريح.
وحينما يخبرنا الله عز وجل {ولا تقل لهما أف} فإن كل عاقل يفهم من ذلك أن الضرب والجلد أولى بالتحريم من ذلك وإن لم يأت النص الصريح بذلك.
وحينما يأمرنا الله عز وجل بالاستئذان في آية الاستئذان فإننا نفهم أن المراد بذلك حفظ العورات فلا يجوز اختلاس النظر من خلل الباب، ولذلك اشتد غضب النبي على من فعل ذلك قبل أن يخبره بالعلة.
وحينما حرم النبي صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية قال بعض الصحابة: حرمها لأنها مركب الناس، وقال بعضهم: بل حرمها لأنها تأكل العذرة؛ فلم يأت متفلسف يقول لهم: كلامكم هذا كله باطل، ولا يجوز النظر في علة النصوص.
وحينما يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لعن السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده، فإننا نفهم من ذلك أن ما فوق البيضة وما فوق الحبل أعظم إثما وإن لم ينص على ذلك.
وتتبع هذه الأمثلة في الكتاب والسنة يطول!
¥