فأجبت بأن الشريعة كاملة ولا تحتاج للمجتهدين ليكملوها لأنها ليس بها نقص!!
وعلى كلامك هذا فيجب عليك أن تقعد في بيتك، ولا تأتي هنا لتناظرنا، ولتدع الشريعة الكاملة تصل إلينا وحدها، فلماذا احتاجت الشريعة إليك لكي تأتي إلينا وتبين لنا أننا على ضلال مبين وباطل؟!
هناك فرق شاسع بين كمال الشريعة، وبين فهم الشريعة، يا أخي الكريم.
الشريعة كاملة ولا نقص بها ليكمله المجتهدون، ولكن الناس تتفاوت في الفهم {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ولو كان فهم الشريعة متساويا عند جميع الناس لم يكن للعلماء فائدة، ولم يكن لسؤال أهل الذكر فائدة، ولما تفاوت أهل العلم في فهم المسائل الدقيقة {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}؛ فنص على أن الاستنباط يختص ببعض الناس دون بعض، وليس الناس على درجة واحدة من العلم والفهم.
فقد يكون الفهم دقيقا يحتاج إلى ثاقب بصر وتوسع في البحث والفحص من العالم لكي يجتهد ويصل للحكم الشرعي.
وذكر غيرُ واحد من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية أن الشريعة لا تأتي بما يخالف العقول، ولكنها قد تأتي بما تحار فيه العقول.
فلا بدع ولا عجب في أن يختص الله بعض العلماء بفهم شيء من العلم الدقيق.
وقصة ابن مسعود رضي الله عنه مشهورة لما سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقا، ومات ولم يدخل بها، فحكم فيها ابن مسعود برأيه أن لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط، ولم يكن لديه في ذلك نص، وإنما حكم بناء على ما عنده من القواعد الشرعية العامة، ثم أخبره بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمثل حكمه.
ومعلوم أن حكم ابن مسعود قبل أن يصله النص فيه تغريم المال لورثة الميت بدفع مثل هذا الصداق، ومعلوم أن مال المسلم محفوظ لا يحل إلا بدليل، فعلى قولكم يكون ابن مسعود حكم بالظن المحرم، وأفتى الناس أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل!!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 09 - 06, 02:22 ص]ـ
وأما حديث (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) فقد ذكرتُه لك من قبل
وزعمتَ أن هذا من باب النص على العلة، فلا يدخل في النقاش
وأقول لك: إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب قبل أن يخبر الرجل بالعلة، وقال: لو علمت أنك تنظرني لطعنت بالمدرى في عينك، وهذه عقوبة شديدة جدا.
وزعمتَ أن الرجل فعل محرما لأنه خالف النصوص الكثيرة التي فيها تحريم تتبع عورات الناس!!
وهذا كلام واضح البطلان؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليه لم يقل له هذا، بل قال له جملة واحدة: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، ولا يعقل أن يكون الرجل معاقبا على أمر ويخبره النبي بأمر آخر!!
ولفظ (جُعِل) مبني للمجهول بصيغة الماضي؛ وهذا يدل على أنه جعل كذلك في الماضي، فالنص إرشاد لعلة وجوب الاستئذان الواردة في آية الاستئذان، وليس في الآية نص على هذه العلة، ولم يرد في حديث آخر قبل هذا الحديث أنه ذكر لهم أن العلة هي كذا!
فدل الحديث دلالة واضحة بينة على أن المراد الإشارة إلى أن آية الاستئذان واضحة الدلالة في أنه إنما جعل من أجل البصر؛ لأن هذا ما يفهمه العقلاء من الاستئذان حتى لو لم يكن منصوصا.
ولو أنت طلبت من أحد من الناس أن يستأذن قبل أن يدخل ولم تذكر له علة ذلك، لم يشك أحد من العقلاء في أنه لو نظر من خلل الباب لكان عاصيا لكلامك وخائنا بنظره هذا.
وهذا الفهم لا يحتاج لنص جديد، بل هو مفهوم - على مقتضى لغة العرب ومخاطباتها - من نص آية الاستئذان.
فإن جاء أحد من العلماء واستنبط معنى ودلالة من نصوص الشرع، وكان هذا الفهم والاستنباط مما يجري على أصول الشريعة العامة، ويجري على مقتضى كلام العرب ومخاطباتها، لم يصح أن يقال: إن هذا الفهم باطل أو محرم، أو قول في الدين بغير علم.
نعم قد يقال: إن هذا الفهم يحتمل الخطأ، أو هو فهم معارض بفهم آخر، وهذا لا نزاع فيه، ولكن النزاع في أن فهم النص ومحاولة السبر والفحص وتتبع كلام الشارع لفهم مقتضى الأمر ليس محرما ولا ممنوعا، بل هو مزيد احتياط في اتباع أوامره، باتباع ما شابه هذه الأوامر، واجتناب نواهيه باجتناب ما شابه هذه النواهي.
ـ[نصر الدين المصري]ــــــــ[12 - 09 - 06, 03:07 ص]ـ
¥