وأجيب عنه بأن العلم بالشيء لا ينافي العلم بضده والأمر بالشيء ينافي الأمر بضده، ألا ترى أنه يجوز أن يكون عالما بكل واحد منهما وليس كذلك الأمر فإنه ينافي فعل ضده ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون فاعلا للمأمور به إلا بترك ضده فدل على الفرق بينهما.
5 / أن النهي عن الشيء ليس بأمر بضده وكذلك الأمر بالشيء ليس بنهي عن ضده.
وأجيب عنه: أنا لا نسلم هذا بل هو أمر بضده فإن كان له ضد واحد فهو أمر به وإن كان له أضداد فهو أمر بضد من أضداده فلا فرق بينهما.
هذه أهم الأدلة في المسألة.
المبحث الخامس: الترجيح:
الراجح في المسالة أن الأمر بالشيء نهي عن ضده لكن من جهة المعنى لا من جهة اللفظ وذلك لقوة ما ستدلوا به من ادلة ولن أدلة القول الثاني تمت مناقشتها ولا تقوى على مازعموه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الناس اتفقوا على أن المطلوب بالأمر وجود المأمور به وأن لزم من ذلك عدم ضده ويقول الفقهاء الأمر بالشىء نهى عن ضده فان ذلك متنازع فيه والتحقيق أنه منهى عنه بطريق اللازم وقد يقصده الآمر وقد لا يقصده واما المطلوب بالنهي فقد قيل أنه نفس عدم المنهى عنه وقيل ليس كذلك لأن العدم ليس مقدرا ولا مقصودا بل المطلوب فعل ضد المنهى عنه وهو الامتناع وهو أمر وجودي.
والتحقيق أن مقصود الناهي قد يكون نفس عدم المنهى عنه وقد يكون فعل ضده وذلك العدم عدم خاص مقيد يمكن أن يكون مقدرا بفعل ضده فيكون فعل الضد طريقا الى مطلوب الناهي وان لم يكن نفس المقصود وذلك أن الناهي إنما نهى عن الشىء لما فيه من الفساد فالمقصود عدمه كما ينهى عن قتل النفس وشرب الخمر وإنما نهى لابتلاء المكلف وامتحانه كما نهى قوم طالوت عن الشرب الا بملء الكف فالمقصود هنا طاعتهم وانقيادهم وهو أمر وجودي وإذا كان وجوديا فهو الطاعة التى هي من جنس فعل المأمور به فصار المنهى عنه إنما هو تابع للمأمور به فان مقصوده اما عدم ما يضر المأمور به أو جزء من أجزاء المأمور به وإذا كان اما حاويا للمأمور به أو فرعا منه ثبت أن المأمور به أكمل وأشرف وهو المقصود الأول)
المبحث السادس: ثمرة الخلاف:
من ثمرات الخلاف في المسالة ما يلي:
1 / إذا قال لامرأته إن خالفت أمري فأنت طالق ثم قال لها لا تكلمي زيدا فكلمته لم تطلق لأنها خالفت نهيه لا أمره هذا هو المشهور، وقال الغزالي أهل العرف يعدونه مخالفا للأمر.
2 / لو قال إن خالفت نهيي فأنت طالق ثم قال لها قومي فقعدت
فللأصوليين وغيرهم خلاف في أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا:
فذهب بعض من جعله نهيا إلى وقوع الطلاق
واختار بعضهم المنع مطلقا إذ لا يقال في عرف اللغة لمن قال قم إنه نهي.
3 / ما ذكره بعض الفقهاء أن النزاع في وجوب النكاح مبني على هذه القاعدة وهي أن النهي عن الشيء أمر بضده؛ لأنا إذا قلنا بذلك فالمكلف منهى عن ترك الزنا فيكون مأمورا بضده وهو النكاح والأمر يقتضي الوجوب فيكون النكاح واجبا.
ونازعهم الطوفي وقال هذا ترجيح ضعيف لأن التحقيق أن الشيء إذا كان له أضداد فالنهي عنه أمر بأحد أضداده والزنا لم ينحصر ضده في النكاح بل ليس ضدا له أصلا إنما ضد الزنا تركه لكن تركه قد يكون بالنكاح وقد يكون بالتسري وقد يكون بالاستعفاف مع العزوبة فلا يتعين بالنكاح للتلبس بل يلزم مقابل ذلك أن يكون المكلف المنهي عن الزنا مأمورا بالنكاح أو التسري على التخيير لأن ترك الزنا يحصل بكل منهما فيصير من باب الواجب المخير فإن قال بذلك صح له التخريج المذكور لكن التسري لم نعلم أحدا قال بوجوبه تعيينا ولا تخييرا.
4 / استحقاق العقاب بترك المأمور به فقط إذا قيل بأنه ليس نهيا عن ضده أو به وبفعل الضد إذا قيل بأنه نهى عن فعل الضد لأنه خالف أمرا ونهيا وعصى بهما.
وغير ذلك من الفروع المبثوثة في كتب الأصول والفقه.
ينظر في هذه المسالة:
أصول السرخسي (1/ 94) كشف الأسرار للنسفي (1/ 443) كشف الأسرار للبخاري (2/ 602) إحكام الفصول للباجي (ص 124) شرح تنقيح الفصول (ص 135) تقريب الوصول لابن جزي الغرناطي (ص 189) مفتاح الوصول للتلمساني (ص 34) نشر البنود (1/ 152) بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 50) البرهان للجويني (1/ 180) ف (164) المستصفى للغزالي (1/ 81) المنخول (ص 115) البحر المحيط للزركشي (2/ 418) الأحكام للآمدي (2/ 191) المحصول للرازي (2/ 199) التبصرة (ص 89) اللمع (ص 18) الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 164) الإبهاج شرح المنهاج (1/ 120) روضة الطالبين (8/ 188) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي (ص 97) العدة لأبي يعلى (2/ 368) التمهيد لأبي الخطاب (1/ 329) المسودة (ص 49) القواعد والفوائد الأصولية (ص 183) شرح الكوكب المنير (3/ 51) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/ 118، 159) الأحكام لابن حزم (3/ 326) إرشاد الفحول (ص 181) المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 97)
¥