العلة الثانية: أنّ الإمامَ ابن قدامة_ رحمه الله_ أدرك التفريقَ الأصولي بين الأحكام التكليفية، فهو يُفرق بين الكراهة والتحريم اصطلاحاً، بدليل تقسيمه الأحكام في مُصنّفاته، فتجده يقول: (يحرم كذا وكذا ويكره كذا كذا) فلو أراد بالكراهة التحريمَ لصرّح بذلك.
العلّة الثالثة: إنّ الإمامَ ابن قدامة _رحمه الله_ أدرج هذه المسْألة ضمن مسائل مكروهات كراهة تنْزيه، وأشْرَكهنّ بحكم اصطلاحي واحد.
أما قول الإمامُ المرداوي في الإنصاف: (وهو الأليق)، فإنْ كان يقْصدُ منْ حيْثُ الادلة الشرْعيّة، فهو كدلك، وإنْ كان يَقصدُ بهِ منْ حيْثُ نسْبتُهُ للإمَام ابن قدَامة، فالأمرُ على ما سبق.
الحَالة الثانية: أنْ يكونَ الإسْبالُ لغيْر خيلاء ولا حاجةٍ ولا حربٍ. ففيه عن الإمام أحمد ثلاث روايات، ذكرها جمع من الأصحاب، ومن أولئك: ابن مفلح المقدسي في "الفروع" (2/ 59)، وكذا في كتابه " الآداب الشرعية" (4/ 171)، والإمامُ المرْداوي في "الإنْصاف" (1/ 472). وغيرهما.
الرواية الأولى: أنه مكروهٌ، كرَاهَةُ تنْزيْه، وَهو المُعْتمدُ عنْدَ جُمْهور الأصْحَاب.
قال الإمامُ ابن مُفْلح المقدسي _ رحمه الله_ في "الفروع" (2/ 60): (ويُكره على الأصح تحت كعْبيه بلاحاجة).
قال الإمامُ المرْداوي _ يرحمه الله _ في الأنْصَاف (1/ 472): (يكْره زيادته إلى تحت كعبيْه بلا حاجة على الصحيْح من الروايتين).
قال الإمامُ برهان الدين بن مفلح _ يرْحمه الله _ في " المُبدع " (1/ 332): (ويكره على الأصح: تحت كعبه بلا حاجة).
قال الإمامُ مرعي الكرْمي_ يرحمه الله_ في "غاية المُنْتهى" (1/ 346) (وكره كون ثيابه فوق نصف ساقه أو تحت كعبه بلا حاجة).
فائدة: اختار تقيُ الدين ابن تيمية _ يرْحمه الله_ عدم التحريم، وسكتَ عنْ الكراهة، قال ابن مفلح المقدسي في "الآداب الشرعية" (4/ 171): (واختار الشيخ تقي الدين _ رحمه الله_ عدم تحريمه، ولم يتعرض لكراهة ولاعدمها).
الرواية الثانية: التحريم. لظاهر قول الإمَام أحْمَدَ: (ما أسْفل منْ الكعْبيْن في النّار، لا يجر شيئاً من ثيابه).
قال الإمامُ ابنْ مفلح المقدسي _ يرْحمه الله_ في كتابه "الآداب الشرعية" (4/ 171) عُقيْب كلام الإمَام أحمد الآنف ذكْرُهُ: (وظاهر هذا التحريم).
الرواية الثالثة: الإباحة.
قال ابنُ مفلح المقْدِسي _ يرْحمه اللهُ _ في " الآداب الشرعيّة " (4/ 171): (قال الإمَامُ أحْمدُ _ رضي اللهُ عنْهُ _ في رواية حنبل: جرُّ الإزار إذا لمْ يُرَد به الخُيلاء فلا بأس به)، قال ابن مفلح بعْدها: (وظاهر هذا كلامُ غيْر واحد منْ الأصْحاب رحمهم الله).
قلتُ: ومنْ أولئك: النّاظم _ يرْحمه الله _ على ما حكاه عنه الإمامُ المرداوي في "الإنْصاف" (1/ 472) حيث قال: (وذكر الناظم: منْ لمْ يخف خُيلاء لمْ يُكره. والأوْلى ترْكه).
تنْبيْه: روايتا التحْريْمِ والإبَاحة ليْسَتا بمُعْتمدتيْن عنْد الأصْحَابِ.
الحالةُ الثالثة: أنْ يكونَ لحاجةٍ _ نحو كونه حَمْشْ الساقين أو حربٍ، فهذا جائزٌ.
قال شمس الدين ابنُ مفلح _ يرْحمُهُ اللهُ _ في "الفروع" (1/ 59): (ويحْرم في الأصح إسبالُ ثيابه خيلاء غير حرب ولا حاجة).
قال الإمامُ المرْداوي _ يرْحمه الله_ في "الإنصاف" (472): (يجوز الإسْبالُ منْ غيْر خُيَلاءٍ لحاجة).
قال الإمَامُ ابنُ بهاء البغدادي _ يرْحمُهُ اللهُ_ في "فتح الملك العزيز" (1/ 657): (فأمّا منْ فعل ذلك على غير وجه الخيلاء بل كان منْ علّةٍ أو حاجَة فنصه أنّه لا بأس به. وهو اختيار القاضي أبي يعلى).
قال الإمَامُ البُهوتي _ يرْحمُهُ اللهُ_ في "شرْحِهِ عَلَى المُنْتَهَى" (1/ 317): (
قال الإمامُ مرْعي الكرْمي _ يرْحمه الله_ في " غاية المُنْتهى" (1/ 348): (فإنْ أسْبلَ لحاجةٍ كستر قبيح ولا خيلاء ولا تدْليْس: أبيحَ).
تنبيه: قيّدَ الأصْحابُ إباحةَ الإسْبال لحاجة: بعدم إرادة التدليْس على النساء في ذلك.
فائدة: قولهم: "حمش الساقين" هو بالحاء المُهْمَلةِ وفَتْحِها، وسكونِ الميم والشيْن المُعْجمةِ، ومعناه: دقيق الساقين. قاله ابن قندس في " حَاشيَته على الفروع " (2/ 59).
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[29 - 04 - 05, 08:50 م]ـ
الحمد لله رب العالمين
نص العلماء-يرحمهم الله- على أن أصحاب الإمام أحمد المتأخرين -يرحمهم الله- خالفوا الإمام أحمد-يرحمه الله- في أشياء كثيرة
فهل نص الإمام أحمد -يرحمه الله- على أن الإسبال لغير الخيلاء مكروه فقط! أم أن هذا فهم من المتأخرين من أصحاب المذهب الحنبلي فقط؟
فنطالب بإيراد النص عن الإمام أحمد -يرحمه الله- الصريح؟ وهل كان الإمام أحمد -يرحمه الله- يقصد بالكراهة التحريم؟ أم كان -يرحمه الله- يقصد بالكراهة التنزيه؟ وماذا قال ابن القيم-يرحمه الله- عن معنى قول الإمام أحمد -يرحمه الله-والأئمة -يرحمهم الله - إذا قالوا عن شي أنه مكروه؟
¥