تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال قائل لقد وقعتم فيما فررتم منه بأن قلتم أن العلة في منع دخول الكافر المسجد الحرام هي النجاسة وإن كانت نجاسة معنوية وهي الشرك، فهذه علة مطردة، فيلزمكم أن تقولوا بموجبها، وهو منع الكافر من جميع المساجد لعلة في الكافر وهي الشرك!، قلنا إن ذلك لا يستقيم لاستثناء الله المسجد الحرام من عموم المساجد، فالمنع مقصور على المسجد الحرام، لخصه بالذكر دون باقي المساجد، فكان خاصا به والخاص لا يقاس عليه، أي لا يتعدى موجبه وموضعه، فلا يتعدى المنع من الدخول إلى غير المسجد الحرام، والله أعلم.

- 2. وأما قوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ} (5) فلا دليل فيها على منع دخول الكافر المساجد لا تصريحا ولا تلميحا؛ فرجاء إسلام الكافر هو رفع للمساجد وتنزيه لها، ودعوة الكافر إلى الله داخل المساجد هذا عمل الأنبياء ومتبعيهم بحق لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (6) وهذا دليل أن الدعوة إلى الله من أقرب القربات إلى الله سبحانه وقوله "أحسن" بصيغة التفضيل تدل على أنها أحسن الأقوال على الإطلاق، وعدم تحديد المكان يدل على أن الدعوة تكون في كل مكان. وأقول إن أحسن الأقوال لا يليق به إلا أحسن البقاع وأحسن البقاع على الإطلاق هي المساجد بالإجماع. ولذلك إدخال الكافر بهدف دعوته حاجة لابد منها.

3. وأما قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} 7) قالوا: هذا في حالة الحرب لا في حالة السلم. قلت هذا التعليل عليل من وجوه:

أ: إن كان يجوز أن نجير الكافر في الحرب الذي لا حرمة لدمه فيه ففي السلم من باب أولى

ب: أن إسماع الكافر كلام الله لدعوته واجب شرعي يأثم المسلم بتركه ويكون أشد إثما إذا منع غيره من تبليغ كلمة الله فيكون من الصادّين عن ذكر الله، والعياذ بالله.

ج: دخول الكافرين مسجد رسول الله في عام الوفود تدل على جريان العمل على ذلك فكان سنة متبعة.

4. مسألة قياس الكافر على المسلم الجنب تستوجب منا الحديث عن مسألتين:

أ. إثبات صحة حكم الأصل المقيس عليه فالذين ذهبوا إلى حرمة دخول الجنب المسجد وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، استدلوا بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (8) قال ابن جرير الطبري (9) فاصلا في معنى الآية: (فتأويل الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل، والعابر السبيل المجتازه مرا وقطعا يقال منه: عبرت بهذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا، ومنه قيل عبر فلان النهر إذا قطعه وجازه، ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار هي عبر الأسفار لقوتها على الأسفار اهـ. قال ابن كثير رحمه الله (10): (وهذا الذي نصره – أي ابن جرير – هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية) اهـ. أي أن أصحاب هذا الرأي ذهبوا إلى أن المراد من الصلاة موضع الصلاة أي: لا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منه وهو قول ابن مسعود وسعيد بن المسيب والضحاك والحسن وعكرمة والنخعي والزهري (11)، ومن السنة استدلوا بحديثي عائشة وأم سلمة المتقدمين وبينت أنهما حديث واحد اضطربت فيهما جسرة بنت دِجاجة فروته مرة عن عائشة ومرة عن أم سلمة كما بينا، وهو ضعيف (12) والحديث الثاني: عن أبي سعيد الخدري مرفوعا (يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) (13) وهو حديث متروك. وذهب المجيزون إلى أن المعنى في قوله تعالى {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}: إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون الماء فتيمموا للصلاة وهو قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد (14). ومن جملة من قال بذلك ابن حزم حيث قال (15) (وكذلك الجنب لأنه لم يأت نهي عن شيء من ذلك وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (المؤمن لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير