ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[22 - 07 - 05, 11:46 م]ـ
ذكر بعضُ الرُواة أنه لما اسْتُخْلِفَ عمرُ بن عبد العزيز، رضي اللّه عنه، قَدِمَ عليه وُفُودُ أهلِ كلِّ بلد؛ فتقدَّم إليه وَفْدُ أهلِ الحجاز، فأشْرَأب منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلمْ مَنْ هو أَسَن منك! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنّما المرءُ بأَصغريه، قلبهِ ولسانِهِ، فإذا مَنَح اللَّهُ عبدَه لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد أجاد له الاختيار؛ ولو أن الأمور بالسن لكان هاهنا مَنْ هو أحق بمجلسك منك.
فقال عمر: صدقت، تكلّم؛ فهذا السحْرُ الحلال! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة لا وَفْدُ الْمَرْزِئة، ولم تُقْدِمْنا إليك رغبةٌ ولا رهبة؛ لأنا قد أمِنا في أيامك ما خِفْنا، وأدركْنا ما طلبنا! فسأل عمر عَنْ سِنّ الغلام، فقيل: عشر سنين
ـ[ابو عبدالله الرفاعي]ــــــــ[22 - 07 - 05, 11:49 م]ـ
ومن روائع الأدب:
ما كتب أبو الفضل بن العميد إلى بعض إخوانِه جواباً عن كتاب وردَ إليه فأحمده:
وَصَلَ ما وصلْتَني به، جعلني اللّه فداك، من كتابك، بل نعمتك التامة، ومنَّتك العامة؛ فقرَّت عيني بوروده، وشُفِيَتْ نفسي بوفوده، ونَشَرتُه فحَكَى نسيمَ الرياض غِب المطر، وتنفسَ الأنوارِ في السَّحر، وتَأَمَلْتُ مفْتَتَحه، وما اشتمل عليه من لطائف كَلِمك، وبدائع حِكَمك؛ فوجدته قد تحمَّل من فنون البرّ عنك، وضروب الفَضْلِ منك، جِدًّاً وهزْلاً، ملأَ عيني، وعَمَرَ قلبي، وغلب فِكْري، وبَهَر لُبِّي؛ فبقيتُ لا أدري: أسُمُوط ذر خصصتَني بها، أم عقود جوهر منَحْتنِيها؟ كما لا أدري أَبِكْراً زَفَفْتَها فيه، أم روضةً جهزتها منْه؛ ولا أدري أخدوداً ضُرِّجت حياءً ضمّنته؛ أم نجوماً طلعت عشاءً أودعته؛ ولا أدري أجِدُّك أبلغ وألطف، أم هَزْلك أرفع وأظرف؛ وأنا أوَكَلُ بتَتَبع ما انْطَوَى عليه نَفْساً لا ترى الحَظَّ إلاَ ما اقْتَنته منه، ولا تَعُد الفضل إلا فيما أخذتْه عنه، وأمَتِّع بتأمّله عيناً لا تَقَرُ إلاَّ بمثْلِهِ، مِمَّا يَصْدر عن يَدِك، ويَرِدُ من عندك، وأعْطِيه نظراً لا يملُه، وطَرْفاً لا يطرِف دونه، وأجعله مِثالاً أرْتَسمه وأحْتَذِيه، وأمتعِ خلقي برَوْنَقِه، وأُغذي نفسي ببَهْجَتِه، وأمزج قريحتي برقَّته، وأشْرَح صَدْري بقراءته، ولئن كنت عن تحصيل ما قلْتَه عاجزاً، وفي تعديد ما ذكرته متخلفاً؛ لقد عرفت أنه ما سمعتُ به من السحْرِ الحلال.
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[23 - 07 - 05, 12:15 ص]ـ
جزى الله الأخ الفاضل أبا عبد الله الرفاعي خير الجزاء على ما قدم
- مما يعرف به العالم -
مما يدل على علم العالم معرفته بما يدرك من الأمور؛ وإمساكه عما لا يدرك؛ وتزيينه نفسه بالمكارم؛ وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر ولا عجب؛ ومعرفته بزمانه الذي هو فيه؛ وبصره بالناس؛ وأخذه بالقسط؛ وإرشاده المسترشد؛ وحسن مخالفته خلطاءه، وتسويته بين قلبه ولسانه؛ وتحريه العدل في كل أمر؛ ورحب ذرعه فيما نابه؛ واحتجاجه بالحجج فيما عمل؛ وحسن تبصيره.
- لكل طريق ما يدل عليه -
من أراد أن يبصر شيئاً من علم الآخره فبالعلم الذي به يعرف ذلك، ومَن أراد أن يبصر شيئاً من علم الدنيا، فبالأشياء التي هي تدل عليه.
- الاستشارة زيادة في العقل -
إن المستشير وإن كان أفضل من المستشار رأياً فهو يزداد برأيه رأياً؛ كما تزداد النار بالودك ضوءاً؛ وعلى المستشار موافقة المستشير على صواب ما يرى؛ والرفق به في تبصير خطئه إن أتى به؛ وتقليب الرأي فيما شكّا فيه حتى تستقيم لهما مشاورتها.
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[25 - 07 - 05, 01:31 ص]ـ
- رؤساء القوم أشد الناس بلاء -
رؤساء القوم أعظمهم هموماً، وأدومهم غموماً، وأشغلهم قلوباً، وأشهرهم عيوباً، وأكثرهم عدواً، وأشدهم أحزاناً، وأنكاهم أشجاناً، وأكثرهم في القيامة حساباً، وأشدهم-إن لم يَعفُ الله عنهم- عذاباً، ومن أحسن ما يستعين به السلطان على أسبابه، اتخاذ وزير عفيف ناصح، فإن الوزير إذا غفل الأمير ذكَّرَهُ، وإن ذكر أعانه، وإن سولت له نفسه سيئة صدّه، وإن أراد طاعة نَشَّطه، فهو المحبب له إلى الناس، والمستجلب له دعاءهم.
- من أدب السلطان -
ينبغي للسلطان أن لا يلج في تضييع حق ذوي الحقوق، فإن عاقبة ذلك رديئة حتى ممن لا يتوقع أذاه، والناس في ذلك رجلان:
رجل طبعه الشراسة فهو كالحية إن وطئها الواطيء فلم تلدغه لم يكن جديراً أن يغره ذلك فيعود إلى وطئها ثانية فتلدغه،
ورجل أصل طباعه السهولة فهو كالصندل البارد الذي إذا أفرط في حكه صار حاراً مؤذياً.
إن الرجل الذي يحضر باب الملك إذا كان قد أُطيلت جفوته من غير جرم كان منه، أو كان قد أصابة ضر وضيق فلم ينعشه، أو كان قد اجترم جرماً فهو يخاف العقوبة منه، أو كان يرجو شيئاً يضر الملك وله منه نفع، أو يخاف في شيء -مما ينفعه- ضراً، أو كان لعدو الملك سلماً ولسلمه حرباً، أو كان قد حيل بينه وبين ما في يديه من السلطان؛ أو باعده أو طرده، فليس السلطان بحقيق أن يعجل في الاسترسال إلى هؤلاء؛ والثقة بهم؛ والائتمان لهم.
وينبغي للملك أن يتحصن من جيوشه بالإنصاف؛ ومن شرار دولته بالإخافة؛ وعلى الملك أن يعمل بثلاث خصال: تأخير العقوبة في سلطان الغضب؛ وتعجيل المكافأة للحَسَن؛ والعمل بالأناة فيما يحدث؛ فإن له في تأخير العقوبة إمكان العفو
¥