وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون من هذه الأمة من الافتراق إنما هو على سبيل التحذير والتنفير منه قال شيخ الإسلام: " وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه يشير إلى أن الفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة وكان يحذر أمته منه لينجو من الوقوع فيه من شاء الله له السلامة " ().
فالافتراق محرم ولنا في ذلك أخذ العبرة وأخذ الحيطة منه فالناجي المسلّم من نجا منه. والنقول عن السلف في الاعتصام بحبل الله ولزوم السنة وذم الافتراق والتحذير منه كثيرة جداً ليس هذا موطن ذكرها.
ويكون الاعتصام بحبل الله بمعرفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم والعض عليها بالنواجذ، وعدم الخروج عليها أو الاعتراض عليها أو مجانبتها.
ففي حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه-قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها الأعين منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا مجدعاً فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ()
ففي هذا الحديث البيان الشافي والقول الفصل في وجوب معرفة سنة المصطفى الكريم لا لمجرد العلم والمعرفة فقط بل للاهتداء والاستنان والاقتداء بل والعض عليها.
ومن يخالف ويفارق إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها، لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه، لم يبتدع ولا استدرك عليها. ()
ومن الاعتصام بحبل الله دعاء الله الثبات على الحق والالتجاء إليه بأن يثبت القل على الحق وكان ذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ().
وقد جاء الشرع بالتحذير من الافتراق واتقائه، بل وربط النجاة بمجانبته كما في الحديث:" كلها في النار إلا واحدة، وهي الناجية ".
فالافتراق حقيقة لا تنكر، وواقع لا محيد لكن الناجي والمعافى من جُنب طريق المفارقين وهداه الله إلى الاعتصام بحبل الله المتين فهو أقوم طريق وهو الصراط المستقيم.
ثانياً: الالتزام بمنهج التلقي الصحيح المبني على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح:
وهذا السبيل هو الالتزام الطريقة الشرعية التي يتم بها تلقي العلم، فالمنهج الصحيح هو منهج أهل السنة والجماعة؛ مصدرهم الكتاب والسنة والإجماع المبني على الكتاب والسنة عند أهل السنة مع منهجهم التسليم بما جاء عن الله عزوجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال البغوي:" واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه " ().
وقال الزهري: "من الله الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم " ().مع ترك التعمق والتنطع، والحاكم في ذلك هم الراسخون في العلم الذين يستنبطون دلائل الكتاب والسنة ويحكمون فيما تنازع فيه الأمة.
مع الالتزام بطُرق الاستدلال الصحيحة التي سيرد ذكرها بعد قليل إن شاء الله، وميزانهم في ذلك كله هو الكتاب والسنة.
فمن أراد الوقاية من الافتراق فعليه:
1 - الحذر من أخذ الدين من غير الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، كالاعتماد على الحكايات والمنامات، والاسرائيليات، قال شيخ الإسلام في بيان مصادر أهل السنة: " الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقوم أخرين المنامات، والإسرائيليات والحكايات " ().
2 - الحذر من الاعتماد على العقل أو كتب الأدب والكلام والفلسفة ونحوها قال شيخ الإسلام:" ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأولوه من اللغة ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبى والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين فلا يعتمدون لا على السنة ولا على اجماع السلف وآثارهم وانما يعتمدون على العقل واللغة وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار السلف وانما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التى وضعتها رؤوسهم وهذه طريقة الملاحدة أيضا " ().أو دعوى بعضهم كغلاة الصوفية من أنهم يستمدون من الله مباشرة أو من الأئمة المعصومين
¥