لكن كيف نفسر هذا التعارض في كلام شيخ الإسلام فهنا ذكر كذا وهنا عكسه
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[09 - 05 - 05, 09:52 م]ـ
وأما تفصيل ما وقع في ذلك من النزاع فكثير منه يكون كالاطلاقين خطأ ويكون الحق في التفصيل ومنه ما يكون مع كل من المتنازعين نوع من الحق ويكون كل منهما ينكر حق صاحبه المشكلة بالمعاني اكثر من الالفاظ في هذه المسألة.
ففارق كبير بين كلام الله والمداد والصحف المكتوب بها
فكلام الله غير مخلوق والصحف والمداد واصواتنا مخلوقة وفانية.
وكلام الله تعالى كلام بصوت وحرف ليس يفترق منها شيء وليس منه شيء مخلوق وقد كلم ادم ثم كلم موسى وينادي بالقيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب.
فمن زعم ان كلام الله قديم كما قالت الاشاعرة وانه لا يتكلم بصوت وحرف وانه يوم كلم موسى كلمه بكلام قديم وانه يوم القيامة ينادي بكلام قديم. بلا صوت ولا حرف بل هو معنى قائم بذاته. او من قال ان الصوت والحرف مخلوقة كما تقول الجهمية.بزعمهم ان الله يخلق كلاما يسمعه الناس.
فقد ضل عن الحق بل مقولة اهل السنة
قال شيخ الاسلام:
حتى امتحن الناس في القران بالمحنة المشهورة في امارة المامون، والمعتصم والواثق، حتى رفع الله شان من ثبت فيها من ائمة السنة؛ كالامام احمد ـ رحمه الله ـ وموافقيه، وكشفها الله عن الناس في امارة المتوكل وظهر في الامة [مقالة السلف]: ان القران كلام الله غير مخلوق، منه بدا واليه يعود، اي هو المتكلم به، لم يبتدا من بعض المخلوقات ـ كما قالت الجهمية ـ بل هو منه نزل، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الاحقاف: 2]، وقال: {وَالَّذِينَ اتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ اَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [الانعام: 114]، وقال: {حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
[فصلت: 1، 2] وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ امَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
ثم لما شاعت المحنة كثر اضطراب الناس وتنازعهم في ذلك، حتى صار اهل السنة والجماعة ـ المتفقون على ان كلام الله منزل غير مخلوق ـ يقول كل منهم قولا يخالف به صاحبه، وقد لا يشعر احدهم بخلاف الادلة، وصار اتباع الائمة الاربعة ـ كابي حنيفة، ومالك، والشافعي، واحمد، مع كون الظاهر المشهور عندهم ان القران كلام الله غير مخلوق ـ بين كل طائفة منهم تنازع في تحقيق ذلك، كما سننبه على ذلك.
الى قوله: القول السادس: قول الجمهور واهل الحديث وائمتهم: ان الله ـ تعالى ـ لم يزل متكلما اذا شاء، وانه يتكلم بصوت، كما جاءت به الاثار، والقران وغيره من الكتب الالهية. كلام الله تكلم الله به بمشيئته وقدرته، ليس ببائن عنه مخلوقًا. ولا يقولون: انه صار متكلمًا بعد ان لم يكن متكلمًا، ولا ان كلام الله ـ تعالى ـ من حيث هو هو حادث، بل ما زال متكلمًا اذا شاء، وان كان كلم موسى وناداه بمشيئته وقدرته، فكلامه لا ينفد، كما قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ اَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
ويقولون: ما جاءت به النصوص النبوية الصحيحة، ودلت عليه العقول الزكية الصريحة، فلا ينفون عن الله ـ تعالى ـ صفات الكمال ـ سبحانه وتعالى ـ فيجعلونه كالجمادات التي لا تتكلم، ولا تسمع ولا تبصر، فلا تكلم عابديها، ولا تهديهم سبيلا، ولا ترجع اليهم قولاً ولا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
/ ومن جعل كلام الله لا يقوم الا بغير الله كان المتصف به هو ذلك الغير، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى: {اِنَّنِي اَنَا اللَّهُ} [طه: 14]؛ ولهذا اشتد نكير السلف على من قال ذلك، وقالوا: هذا نظير قول فرعون: {فَقَالَ اَنَا رَبُّكُمُ الْاَعْلَى} [النازعات: 24] اي: هذا كلام قائم بغير الله؛ ولهذا صرح بحقيقة ذلك الاتحادية- كابن عربي ونحوه ـ الذين يقولون:
وكل كلام في الوجود كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه
¥