عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إني مررت بأخ لي يهودي من قريظة, فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال, فتغير وجه رسول صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت, قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله رباً, بالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً, قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال «والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام, ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم, إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين».
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر: حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا, وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق, وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني». وفي بعض الأحاديث «لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي» فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين, هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد, لكان هو الواجب طاعته المقدم على الأنبياء كلهم, ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس, وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده, وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له, والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
** أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَالنّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين الله الذي أنزل به كتبه, وأرسل به رسله, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, الذي {له أسلم من في السموات والأرض} أي استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً, كما قال تعالى: {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} الاَية, وقال تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله, والكافر مستسلم لله كرهاً, فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع, وقد ورد حديث في تفسير هذه الاَية على معنى آخر فيه غرابة, فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن النضر العسكري, حدثنا سعيد بن حفص النفيلي, حدثنا محمد بن محصن العكاشي, حدثنا الأوزاعي, عن عطاء بن أبي رباح, عن النبي صلى الله عليه وسلم {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} , «أما من في السموات فالملائكة, وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام, وأما كرهاً فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون». وقد ورد في الصحيح «عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل» وسيأتي له شاهد من وجه آخر, ولكن المعنى الأول للاَية أقوى, وقد قال وكيع في تفسيره, حدثنا سفيان عن منصور, عن مجاهد {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: هو كقوله {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} وقال أيضاً: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن مجاهد, عن ابن عباس {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: حين أخذ الميثاق, {وإليه يرجعون} أي يوم المعاد فيجازي كلاً بعمله ثم قال تعالى: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا} يعني القرآن, {وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب} أي من الصحف والوحي, {والأسباط} وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ الاثني عشر, {وما أوتي موسى وعيسى} يعني بذلك التوراة والإنجيل,
¥