الأصل العام: دين الأنبياء واحد، وشرائعهم متعددة، والكل من عند الله -تعالى -.
من أصول الاعتقاد في الإسلام: اعتقاد توحد الملة والدين في: التوحيد، والنبوات، والمعاد، والإيمان الجامع بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما تقتضيه النبوة والرسالة من واجب الدعوة، والبلاغ، والتبشير، والإنذار، وإقامة الحجة، وإيضاح المحجة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بإصلاح النفوس، وتزكيتها، وعمارتها بالتوحيد، والطاعة، وتطهيرها من الانحراف، والحكم بين الناس بما أنزل الله.
واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الأحكام، والأوامر والنواهي.
وهذا الأصل هو: " جوهر الرسالات كلها ".
وتفصيل هذا الأصل العقدي بشقيه كالآتي:
أما توحد الملة والدين في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين:
فنعتقد أن أصل الدين واحد، بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحدت سبيلهم عليه، وإنما التعدد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله - سبحانه - وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه؛ لمعرفة ما ينفعهم، وما يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم، ومعادهم:
بُعثوا جميعاً بالدين الجامع الذي هو عبادة لله وحده لا شريك له، بالدعوة إلى توحيد الله، والاستمساك بحبله المتين.
وبعثوا بالتعريف في الطريق الموصل إليه.
وبعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه.
فاتحدت دعوتهم إلى هذه الأصول الثلاثة:
* الدعوة إلى الله - تعالى - في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، فالتوحيد هو دين العالم بأسره من آدم إلى آخر نفس منفوسة من هذه الأمة.
* والتعريف بالطريق الموصل إليه - سبحانه - في إثبات النبوات وما يتفرع عنها من الشرائع، من صلاة، وزكاة، وصيام، وجهاد، وغيرها: أمراً، ونهياً في دائرة أحكام التكليف الخمسة: الأمر وجوباً، أو استحباباً، والنهي: تحريماً، أو كراهة، والإباحة، وإقامة العدل، والفضائل، والترغيب، والترهيب.
* والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله: في إثبات المعاد، والإيمان باليوم الآخر، والموت، وما بعده من القبر، ونعيمه، وعذابه، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والثواب والعقاب.
وعلى هذه الأصول الثلاثة، مدار الخلق والأمر، وإن السعادة والفلاح لموقوفة عليها لا غير.
وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب المنزلة، وبعث به جميع الأنبياء والرسل، وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسل، والرسالات، والأمم.
وهذا هو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الأنبياء أخوة لِعَلاّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد " متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وهو المقصود في قول الله - تعالى -: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} [الشورى / 13]. وهذه الأصول الكلية هي ما تضمنته عامة السور المكية من القرآن الكريم.
وإذا تأملت سر إيجاد الله لخليقته وهو عبادته، كما في قول الله - تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات / 56]. عرفت ضرورة توحد الملة، والدين، ووحدة الصراط ولهذا جاء في أم القرآن، فاتحة الكتاب الله - عز وجل -: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} ثم أتبع ذلك بأن اليهود والنصارى، خارجون عن هذا الصراط، فقال - سبحانه - {غير المغضوب عليهم والضالين}.
وبهذا تدرك الحِكَمَ العظيمة مما قصه الله - تعالى - علينا في القرآن العظيم من قصص الأنبياء وأخبارهم مع أممهم؛ لأخذ العبرة، والتفكر، وتثبيت أفئدة الأنبياء وإثبات النبوة والرسالة، وجعلها موعظة وذكرى للمؤمنين، وأخبار الأمم المكذبة لرسلهم وما صارت إليه عاقبتهم، وأنها سننه - سبحانه - فيمن أعرض عن سبيله.
والدين بهذا الاعتبار: هو: " دين الإسلام " بمعناه العام، وهو: إسلام الوجه لله، وطاعته، وعبادته وحده، والبراءة من الشرك، والإيمان بالنبوات، والمبدأ، والمعاد.
¥