- ثالثاً: كلام فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح العبيلان - حفظه الله -:
قال حفظه الله في كتابه "النكت العلمية على الروضة الندية" ص 323, النكتة: (296):
((قال المصنف [أي صديق حسن خان صاحب الروضة الندية]:
قال في المسوى: والتحقيق في هذه المسألة: أنَّ الصحابة لم يختلفوا في حكاية ما شاهدوه مِن أفعال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِن أنه أحرم مِن ذي الحليفة, وطاف أول ما قدم, وسعى بين الصفا والمروة, ثم خرج يوم التروية إلى منى, ورمى ونحر وحلق, ثم طاف طواف الزيارة, ثم رمى الجمار في الأيام الثلاثة, وإنما اختلفوا في التعبير عما فعل باجتهادهم وآرائهم.
فقال بعضهم: كان ذلك حجاً مفرداً, وكان الطواف الأول للقدوم, والسعي لأجل الحج, وكان بقاؤه على الإحرام لأنه قصد الحج.
وقال بعضهم: كان ذلك تمتعاً بسوق الهدي, وكان الطواف الأول للعمرة, كأنهم سموا طواف القدوم والسعي بعده عمرة, وإن كان للحج, وكان بقاؤه على الإحرام لأنه كان متمتعاً بسوق الهدي.
وقال بعضهم: كان ذلك قراناً, والقران لا يحتاج إلى طوافين وسعيين.
وهذا الاختلاف سبيله سبيل الاختلاف في الاجتهاديات.
أما أنه سعى تارة أخرى بعد طواف الزيارة - سواء قيل بالتمتع أو القران – فإنه لم يثبت في الروايات المشهورة, بل ثبت عن جابر أنه لم يَسْعَ بعده. انتهى.
قال الفقير إلى عفو ربه [الشيخ عبدالله]:
وهذا هو الأرجح, سواء كان قارنا أو مفردا أو متمتعا, وذلك لوجوه:
- الأول: أن الله تبارك وتعالى لم يذكر بعد الوقوف بعرفة وقضاء التفث إلا الطواف بالبيت؛ قال تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} ولم يذكر السعي بين الصفا والمروة.
- الثاني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - باتفاق أهل المعرفة والتحقيق لم يسع إلا سعيه الأول, وقد قال: ((خذوا عني مناسككم)) , ولو كان السعي بعد الوقوف بعرفة واجباً على المتمتع دون غيره لأمر به وبينه للأمة, ولم يفعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
- الثالث: أنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر - حينما أمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالتحلل -: (فأتينا النساء ومسسنا الطيب, فلما كان اليوم الثامن وأحرمنا بالحج, وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة).
- الرابع: أنه قد ثبت عن ابن عباس أنه قال: (يكفي المتمتع المفرد سعي واحد) "1".
- الخامس: أن طاووس - تلميذ ابن عباس -: (أقسم أنه لم يطف أحد من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بين الصفا والمروة) "2" , قال الحافظ: (وهذا إسناد صحيح) "3".
فإن قيل: فما الجواب على حديث عائشة , وفيه: (وأما الذين حلوا فطافوا طوافاً آخر)؟
فالجواب: أن هذه الزيادة في هذا الحديث قد أعلها كبار أهل العلم كالإمام أحمد وابن تيمية بأنها مدرجة وليست من الحديث, وعلى فرض ثبوتها فقد اختلف العلماء على أقوال ثلاثة في مرادها من قولها: (فطافوا طوافاً آخر).
وعلى فرض أن مرادها: السعي الآخر؛ فقد تعارض قولها وقول جابر وابن عباس, ولا بد من تقديم أحدهما على الآخر.
فجابر يتحدث عن نفسه حيث كان متمتعا؛ ومن كان مثله؛ فينفي السعي الآخر, وأما هي فهي تتحدث عن غيرها؛ لأنها كانت قارنة, ولا ريب أن صاحب النسك أعلم به من غيره.
فإن قيل فما الجواب على أثر ابن عباس الذي علقه البخاري "4", وفيه: (أنهم لما رجعوا من عرفة طافوا بين الصفا والمروة)؟
فالجواب عليه من وجوه:
الأول: ضعف إسناده "5"
الثاني: على فرض ثبوته, فإن غاية ما فيه إقرار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لهم على ذلك, وهذا يدل على الاستحباب لا على الوجوب, وعليه يُحمل قول الله تبارك وتعالى: {ومن تطوع خيراً فإنَّ الله شاكر عليم} , وإلى هذا ذهب الإمام أحمد حيث قال: (أعجبُ إليَّ أن يسعى المتمتع سعياً آخر) , وبهذا أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد راجعتُ محقق العصر الألباني رحمه الله في هذه المسألة حيث قرر في "حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وجوب السعي الآخر على المتمتع , فرجع عن القول بالوجوب إلى الاستحباب, وهذا من إنصافه رحمه الله)) أ. هـ. كلام الشيخ عبدالله حفظه الله.
¥