ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[23 - 01 - 06, 04:56 م]ـ
ص125:
حُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ لِمَنْ جَهِلَ، وَالْعَمَلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ عَلِمَ.
ص126:
قَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: إنِّي لأفْرَحُ بِإِفَادَتِي الْمُتَعَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِي بِاسْتِفَادَتِي مِنْ الْمُعَلِّمِ.
ص127:
قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: اجْعَلْ تَعْلِيمَك دِرَاسَةً لِعِلْمِك.
ص129:
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ فِرَاسَةٌ يَتَوَسَّمُ بِهَا الْمُتَعَلِّمَ لِيَعْرِفَ مَبْلَغَ طَاقَتِهِ، وَقَدْرَ اسْتِحْقَاقِهِ لِيُعْطِيَهُ مَا يَتَحَمَّلُهُ بِذَكَائِهِ، أَوْ يَضْعُفُ عَنْهُ بِبَلاَدَتِهِ فَإِنَّهُ أَرْوَحُ لِلْعَالِمِ، وَأَنْجَحُ لِلْمُتَعَلِّمِ .. وَإِذْ كَانَ الْعَالِمُ فِي تَوَسُّمِ الْمُتَعَلِّمِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَكَانَ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ خَبِيرًا، لَمْ يَضِعْ لَهُ عَنَاءٌ وَلَمْ يَخِبْ عَلَى يَدَيْهِ صَاحِبٌ. وَإِنْ لَمْ يَتَوَسَّمُهُمْ وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ وَمَبْلَغُ اسْتِحْقَاقِهِمْ كَانُوا وَإِيَّاهُ فِي عَنَاءٍ مُكِدٍّ وَتَعَبٍ غَيْرِ مُجِدٍّ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْدَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ ذَكِيٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الزِّيَادَةِ، وَبَلِيدٌ يَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ فَيَضْجَرُ الذَّكِيُّ مِنْهُ وَيَعْجِزُ الْبَلِيدُ عَنْهُ وَمَنْ يُرَدِّدُ أَصْحَابَهُ بَيْنَ عَجْزٍ وَضَجَرٍ مَلُّوهُ وَمَلَّهُمْ.
ص170:
وَحَكَى الأصْمَعِيُّ رحمه الله: أَنَّ أَعْرَابِيًّا صَلَّى فَأَطَالَ وَإِلَى جَانِبِهِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَا أَحْسَنَ صَلاَتَك، فَقَالَ: وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ صَائِمٌ!
صَلَّى فَأَعْجَبَنِي وَصَامَ فَرَابَنِي * نَحِّ الْقَلُوصَ عَنْ الْمُصَلِّي الصَّائِمِ
فَانْظُرْ إلَى هَذَا الرِّيَاءِ، مَعَ قُبْحِهِ، مَا أَدَلَّهُ عَلَى سُخْفِ عَقْلِ صَاحِبِهِ.
ص171:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَفْضَلُ الزُّهْدِ إخْفَاءُ الزُّهْدِ.
ص183:
وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: مَنْ جَرَّعَتْهُ الدُّنْيَا حَلاَوَتَهَا بِمَيْلِهِ إلَيْهَا، جَرَّعَتْهُ الآخِرَةُ مَرَارَتَهَا لِتَجَافِيهِ عَنْهَا.
ص187:
عُوتِبَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ أَكَانَ يُبْقِي فِي الأولى شَيْئًا؟!
ص189:
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُلُوكِ يَوْمٌ وَاحِدٌ. أَمَّا أَمْسِ فَقَدْ مَضَى فَلاَ يَجِدُونَ لَذَّتَهُ. وَإِنَّا وَهُمْ مِنْ غَدٍ عَلَى وَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ.
ص196:
وَمَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بِقَوْمٍ فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ زُهَّادٌ. فَقَالَ: مَا قَدْرُ الدُّنْيَا حَتَّى يُحْمَدَ مَنْ زَهِدَ فِيهَا!
ص220:
فَأَمَّا إقَامَةُ إمَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَبَلَدٍ وَاحِدٍ فَلاَ يَجُوزُ إجْمَاعًا. فَأَمَّا فِي بُلْدَانَ شَتَّى وَأَمْصَارٍ مُتَبَاعِدَةٍ
فَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الإمام مَنْدُوبٌ لِلْمَصَالِحِ. وَإِذَا كَانَ اثْنَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ أَوْ نَاحِيَتَيْنِ
كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقْوَمَ بِمَا فِي يَدَيْهِ، وَأَضْبَطَ لِمَا يَلِيهِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَعْثَةُ نَبِيَّيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ
إلَى إبْطَالِ النُّبُوَّةِ، كَانَتْ الإمامة أَوْلَى وَلاَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الإمامة. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ إقَامَةَ إمَامَيْنِ
فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ شَرْعًا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "إذَا بُويِعَ أَمِيرَانِ فَاقْتُلُوا
أَحَدَهُمَا" ..
ص221:
يَلْزَمُ سُلْطَانَ الأمة مِنْ أُمُورِهَا سَبْعَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: حِفْظُ الدِّينِ مِنْ تَبْدِيلٍ فِيهِ، وَالْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ إهْمَالٍ لَهُ.
وَالثَّانِي: حِرَاسَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنْ الأمة مِنْ عَدُوٍّ فِي الدِّينِ أَوْ بَاغِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ.
وَالثَّالِثُ: عِمَارَةُ الْبُلْدَانِ بِاعْتِمَادِ مَصَالِحِهَا، وَتَهْذِيبِ سُبُلِهَا وَمَسَالِكِهَا.
وَالرَّابِعُ: تَقْدِيرُ مَا يَتَوَلاَهُ مِنْ الأموال بِسُنَنِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ فِي أَخْذِهَا وَإِعْطَائِهَا.
وَالْخَامِسُ: مُعَانَاةُ الْمَظَالِمِ والأحكام بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَاعْتِمَادِ النَّصَفَةِ فِي فَصْلِهَا.
وَالسَّادِسُ: إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ فِيهَا، وَلاَ تَقْصِيرٍ عَنْهَا.
وَالسَّابِعُ: اخْتِيَارُ خُلَفَائِهِ فِي الأمور أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِفَايَةِ فِيهَا، والأمانة عَلَيْهَا.
فَإِذَا فَعَلَ مَنْ أَفْضَى إلَيْهِ سُلْطَانُ الأمة مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الأشياء السَّبْعَةِ كَانَ مُؤَدِّيًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ،
مُسْتَوْجِبًا لِطَاعَتِهِمْ وَمُنَاصَحَتِهِمْ، مُسْتَحِقًّا لِصِدْقِ مَيْلِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ. وَإِنْ قَصَّرَ عَنْهَا، وَلَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا
وَوَاجِبِهَا، كَانَ بِهَا مُؤَاخَذًا ثُمَّ هُوَ مِنْ الرَّعِيَّةِ عَلَى اسْتِبْطَانِ مَعْصِيَةٍ وَمَقْتٍ يَتَرَبَّصُونَ الْفُرَصَ لِإِظْهَارِهِمَا
وَيَتَوَقَّعُونَ الدَّوَائِرَ لِإِعْلاَنِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ
مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}.
¥