تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما "آسال" ابن طفيل فيرمز "للعقل الديني" الذي يترقى في المعرفة مكسرا طوق التقليد متجاوزا ظواهر النصوص، كلفا بالتأمل والغوص على المعاني، محبا للعزلة المعنية على ذلك حتى يصل بمساعدة "حي" إلى درجة الاتصال.

إن هذا العقل، بمواصفاته التي حرص ابن طفيل على التشديد عليها، هو وحده القادر على التجاوب مع "العقل الفلسفي" الذي يمثله "حي بن يقظان". ولذلك سيجسد ابن طفيل من خلال لقاء "آسال" "بحي"، واطمئنان بعضهما لبعض، وتبادلهما لتجاريهما، إخاء "الفلسفة" والشريعة، و"المحبة الطبيعية" التي تحدث عنها ابن رشد في "فصل المقال"، ولا يخفى أن هناك قرابة واضحة بين "الآسلين"؛ "آسال" ابن سينا وآسال ابن طفيل، وإن لم يكن بينهما تطابق تام؛ فكلاهما ترقى في مراقي المعرفة، حتى بلغ درجة من الكمال.

أما "سلامان" ابن طفيل فرمز "للعقل الديني"، والوقاف عند الظواهر،

المحب للاجتماع الإنساني والحريص عليه، العقل غير مؤهل - عادة - لفهم

"الحكمة" والتجاوب معها. وقد أسند ابن طفيل لسالمان نفس الوظيفة التي أسندها

ابن سينا لسميه، فكلاهما "ملك"، وإن كانت الأدوار التي قام بها كل منهما

منسجمة مع السياق الفلسفي - الأدبي للقصة-.

مجلة التاريخ العربي (13399)

الرمزية في قصة: "حي بن يقظان "

يؤكد ابن طفيل، على أن قصته مصطبغة برمزية مقصودة، فهو يقول في الفقرة الأخيرة من الكتاب: و لم نخل مع ذلك، ما أودعناه هذه الأوراق اليسيرة، من الأسرار، عن جانب حجاب رقيق و سر لطيف ينهتك سريعا لمن هو أهله، ويتكاثف لمن لايستحق تجاوزه.

وقد أجمل بعض الباحثين هذه الرمزية في النقاط التالية:

أ ـ ورود القصة في شكل رسالة: من شأنه أن يقرب الصلة بين القارئ و الكاتب، و من شأنه أيضا، أن يعطي للقصة مدلولا إخباريا له وقعه في نفسية السامع أو القارئ، إذ أنه سيضفي على الأحداث من الواقعية و الحركية مما سيشعر القارئ بأنه طرف لا غنى عنه في كل ذلك.

ب ـ ورودها في شكل قصة: يمكّن الكاتب من تصوير الأحداث و تحريك الصور في المخيلة و تخلصه من الأسلوب السردي الممل، بافتعال واقع خيالي لتطوير الأحداث مليء بعناصر التشويق. وهذه طريقة لافتكاك شرعية الدخول إلى قلب القارئ، و بالتالي زرع الطمأنينة فيه و التحكم في اعتقاده.

ج ـ التقديم للقصة: يهيئ القارئ و يؤطر تفكيره، فيوجهه نحو وجهة واحدة يختارها له الكاتب، و يخلصه بالتالي من الأحكام و الظنون المسبقة. و كما أنه يسعى إلى إفراغ العقل من هذه الأحكام، فإنه في المقابل يضع فيه بعض التقييمات والآراء الأولية و المباشرة، حتى يظن القارئ (غير المرغوب فيه) أن ما أورده الكاتب في القصة من مقاصد هو نفس ما أشار إليه في التقديم.

د ـ الازدواجية في رواية التولد: هي دليل على اتباع أسلوب ثنائي في ازدواجية المعنى الذي سيعتمده ابن طفيل. و نلاحظ أن هذه الثنائية تغطي كافة القصة: (السن سنان: عمر جسمي و عمر عقلي، و المقصود هو العمر العقلي ـ الحقيقة حقيقتان: الأولى يمثلها حي بن يقظان، و الثانية يمثلها آسال، و الحقيقة التي يمثلها حي هي المقصودة ـ الباطل باطلان: الباطل الذي عليه الجمهور و الباطل الذي عليه سلمان، والمقصود هو الباطل الذي عليه سلمان، ممثل الفقهاء ـ و القصة على نحوين: نظري و عملي، و المقصود هو القسم النظري ـ و الإنسان على قسمين: كامل و ناقص، و المقصود هو الإنسان الكامل ... الخ).

هـ ـ التدخلات المباشرة للكاتب (في ثنايا القصة): و تفيد استدراكات منه لتغطية الغرض الأصلي، و هذا التدخل إما أن يكون القصد منه الوصف و الإيضاح أو توجيه القارئ إلى معنى معين، أو الاعتذار، أو الجدال و الخصام، أو التموييه. والقصد من هذا الحضور في بعض المواقع هو إرهاب القارئ غير المرغوب فيه أو تضليله.

ز ـ اختيار مواضع الآيات القرآنية: و ذلك لتوظيفها في غرض ما، أو تسكينا و تهدئة للشعور الديني و بث الطمأنينة في المتدينين المتعصبين من القراء، و يدخل في هذا الباب أيضا، الدعاء و الجمل الاعتراضية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير