ح ـ التعلل بقصور اللغة و فقرها: و هذه الوسيلة ما هي سوى حيلة من الكاتب لتغطية أغراضه من ناحية و الاحتماء بإمكانية التأويل من ناحية أخرى، و إلا كيف تحصل الفكرة في الذهن واضحة جلية و لا يواتيها التعبير؟ سوى أن تكون هذه الفكرة مختلطة و باطلة، أو أن يتهرب الكاتب من الإفصاح المباشر عنها. لأن ما يعجز اللغة في الحقيقة هو ذلك الذي لم يتبينه الذهن و لا صفت معرفته في العقل (مثل العواطف و المشاعر لكونها حالات تخص الذات الفردية فلا يتأتى للإنسان التعبير عنها بكامل الصدق).
ط ـ تقابل آراء الكاتب في المسألة الواحدة: (كذم الفلاسفة و تبني آراءهم، و اتهام العقل بالقصور والاعتماد عليه و مدحه و تقديمه على كل ما سواه من الملكات، و تقديس الدين و تزكيته ثم انتقاد بعض ما جاء فيه ... الخ). فمن شأن هذه العملية أن تزرع التذبذب في عقل من يريد الوقوف على موقف واضح لابن طفيل بغرض الإيقاع به، لأن صادق النية سينتقي الحق من القصة ـ بعد بحث و غربلة و تمحيص ـ لذلك لا تهمه مواقف ابن طفيل ولا وجهة نظره و لا شخصه، و إنما سيهتم للحقيقة في حد ذاتها. و أما سيئ القصد فسيبحث عن مآخذ في سياق القصة يتهم بها الكاتب. فإذا ما كان القول مختلفا أو أنه يبدو متناقضا، فإن باب التأويل سيفتح عندئذ على مصرعيه. و سيجد الكاتب نجاته في ذلك.
ي ـ القول بتمايز الطبائع: و أن الذين تكتمل فيهم الرتبة الإنسانية هم أصحاب الحق الذي لا " جمجمة فيه "، أما الآخرون فعلى باطل و تنقصهم ملكة التمييز لقربهم من الحيوانية: و تكمن الغاية من هذه الطريقة في توظيف غرور الناس من ناحية، إذ من سيجرؤ على الاختلاف مع " الفلاسفة " و معارضتهم سيتهمه ابن طفيل بأنه من صنف الحيوانات غير الناطقة. و من ناحية أخرى بغرض التشفي من الخصوم بالطعن في مقدرتهم العقلية.
ك ـ القول بأن: "الغاية من كتابة القصة هو كشف السر ": ثم التصريح: "بأن القصة مغطاة بالأساليب الرمزية ": هو قول الغرض منه، تشويق القارئ من جهة، و من جهة أخرى حمله على أن يبذل مجهودا إضافيا لفهم مقاصد الكاتب منها و فيها.
ل ـ اعتذار ابن طفيل لإخوانه في الاعتقاد: يعتبر إقرار منه، بأن الكشف عن السر قد يعود عليه وعلى أمثاله بالضرر. وأنه كذلك قد يضر بالعامة التي هي ــ بحكم نقص في طبيعتها ــ غير مؤهلة لذلك. و في هذا الإقرار تأكيد على عناصر التشويق في القصة التي تحولت قراءتها إلى مغامرة خطيرة.
م ـ اختيار أسماء الأبطال: و ذلك للدلالة على شخصية كل بطل منهم و منزلته و رغم أن هذه الخاصية مضمرة في القصة، إلا أنه لايمكن لابن سيناء أن يطلق هذه الأسماء على أبطال قصته دون أن تحمل مدلولا ما، يقصده، ولا يمكن لابن طفيل، أن يستعمل هذه الأسماء دون أن يكون مطلعا على مقصد ابن سينا، أو دون أن يلبسها من المعاني ما يهدف بها إليه:
أ ــ " حي بن يقظان ": "حي " يقصد به: "العقل "، لأنه لا معنى للحياة الإنسانية عند المفكرين الإسلاميين سوى الإدراك، و عند تمام الإدراك العقلي البرهاني تكتمل الحياة. أما " ابن يقظان " فهو يرمز به إلى الأصل الذي انحدر منه العقل أو صدر عنه وهو " العقل الفعال "، الذي هو على علاقة بما يجري في العالم الأرضي، والساهر على تنظيم عالم الكون و الفساد، لذلك فهو بريء عن الغفلة أو الإغفاء، كما أنه في علاقة فيضية أبدية بالعقول السماوية و بالعقل الأول الذي هو في حضور دائم عند ذاته باستمرار. فبين العقل و الألوهية نسبة جوهرية.
ب ــ " آسال": هو أمر لفعل " سأل "، (بالتخفيف)، و قد يعني به ابن طفيل، ذلك الشخص الكثير السؤال والمولع بالبحث و المستكنه للأسرار، و السؤال هو نصف العلم ــ كما قيل ــ، لهذا كان " أسال " قريب من " حي" الذي يمتلك العلم كله.
ج ــ " سلامان ": مشتق من فعل " سلم "، وهو يوحي بالسلامة، و " سلامان " في القصة، يمثل شخصية رجل يؤثر الطمأنينة و الركون إلى الراحة و هدوء البال و الرغبة الجامحة في دعم دوام الحال و استقرار الأحوال، إذ هو من الأعيان و من المقربين من السلطان.
¥