تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر- رحمه الله تعالى -[3]: " واعلم أن كثيراً من المتأخرين، يقولون: هذا مذهب السلف، في آيات الصفات، وأحاديثها، إقرارها على ما جاءت، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، وهذا لفظ مجمل، فإن قول القائل: ظاهرها غير مراد، يحتمل أنه أراد بالظاهر، نعوت المخلوقين، وصفات المحدثين، فلا شك: أن هذا غير مراد؛ ومن قال: هذا، فقد أصاب، لكن أخطأ في إطلاق القول أن هذا ظاهر النصوص، فإن هذا ليس هو الظاهر، فإن إيماننا بما ثبت من نعوته، كإيماننا بالذات المقدسة، إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري، وننزه ذاته المقدسة عن الأشباه، من غير أن نتعقل الماهية؛ فكذلك القول في صفاته: نؤمن بها،ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة، من غير أن نتعقلها، أو نشبهها، أو نكيفها، أو نمثلها بصفات خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ... ومن ظن أن نصوص الصفات، لا يعقل معناها، ولا يدري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن يقرؤها ألفاظاً لا معاني لها، ويعلم أن لها تأويلاً، لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة (كهيعص، حم، عسق، الَمص) وظن أن هذه طريقة السلف، وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء؛ والصفات، ولا يعلمون حقيقة قوله: (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه) وقوله (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وقوله: (الرحمن على العرش استوى) ونحو ذلك، فهذا الظان من أجهل الناس بعقيدة السلف. وهذا الظن يتضمن استجهال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، وأنهم كانوا يقرؤون هذه الآيات، ويروون حديث النزول، وأمثاله، ولا يعرفون معنى ذلك، ولا ما أريد به، ولازم هذا الظن: أن الرسول –صلى الله عليه و سلم- كان يتكلم بذلك، ولا يعرف معناه، فمن ظن أن هذه عقيدة السلف، فقد أخطأ في ذلك خطأ بيناً؛ بل السلف رضي الله عنهم أثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات، فكان مذهبهم مذهباً بين مذهبين، وهدى بين ضلالين، خرج من مذهب المعطلين والمشبهين، كما خرج اللبن: (من بين فرث ودم لبنا خالصاً سائغاً للشاربين) ".اهـ

وبناء على ذلك فقول بن باديس عن صفة الاستواء و النزول ونحوهما .. بأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد يحتمل معنيين باطل و آخر حق [4]:

- فالمعنى الباطل: نفي المعنى الظاهر الذي يليق بذي الجلال والإكرام؛ فمثلا: الاستواء معلوم المعنى في لغة العرب، فاستوى هنا عديَت بـ: (على) فهي هنا بمعنى: (علا وارتفع)، وهكذا الأمر في سائر نصوص الصفات، فإن معانيها معروفة في لغة العرب، وليست مجهولة [5]، فنفي هذا المعنى الظاهر من نصوص الاستواء تعطيل وإلحاد في صفاته [6]، وهكذا باقي صفات الرحمن -جل وعلا-.

- أما المعنى الحق: فهو نفي الظاهر الذي يليق بالمخلوقين ويختص بهم، بمعنى أن صفات المخلوقين غير مرادة.

وعبارة الشيخ ابن باديس –رحمه الله تعالى –: " .. وبأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ". باطلة ومحمولة على المعنى الأول و بيان ذلك من وجوه:

- الوجه الأول: أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها، لكل مسلم راجع عقله، هي مخالفة صفات الله لصفات خلقه [7]. فقول الشيخ:" .. وننزهه في ذلك عن مماثلة أو مشابهة شيء من مخلوقاته .. " يكفي في نفي التشبيه بخلقه وإثبات المعنى الظاهر المراد، فلا داعي إذن لقوله" وبأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد " إلاَّ إذا كان مقصوده المعنى الباطل؛ وهو صرف نصوص الصفات عن ظاهرها المراد وهذا واضح الفساد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى-[8]: " ومن قال: إن ظاهر شيء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ؛ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد به، فكان قول هذا القائل يقتضي أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الفساد ".

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى-[9]:"والواقع في نفس الأمر أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها، لكل مسلم راجع عقله، هي مخالفة صفات الله لصفات خلقه.

ولا بد أن نتساءل هنا فنقول:

أليس الظاهر المتبادر مخالفة الخالق للمخلوق، في الذات والصفات والأفعال؟

والجواب الذي لا جواب غيره: بلى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير