تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهل تشابهت صفات الله مع صفات خلقه حتى يقال إن اللفظ الدال على صفته تعالى ظاهره المتبادر منه تشبيهه بصفة الخلق؟

والجواب الذي لا جواب غيره: لا.

فبأي وجه يتصور عاقل أن لفظاً أنزله الله في كتابه، مثلاً دالاً على صفة من صفات الله أثنى بها تعالى على نفسه، يكون ظاهره المتبادر منه، مشابهته لصفة الخلق؟ (سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).

فالخالق والمخلوق متخالفان كل التخالف وصفاتهما متخالفة كل التخالف. فبأي وجه يعقل دخول صفة المخلوق في اللفظ الدال على صفة الخالق؟ أو دخول صفة الخالق في اللفظ الدال على صفة المخلوق مع كمال المنافقاة بين الخالق والمخلوق؟

فكل لفظ دل على صفة الخالق ظاهره المتبادر منه أن يكون لائقاً بالخالق منزهاً عن مشابهة صفات المخلوق. وكذلك اللفظ الدال على صفة المخلوق لا يعقل أن تدخل فيه صفة الخالق ".اهـ

-الوجه الثاني: إن قول الشيخ ابن باديس عن صفة الاستواء و النزول ونحوهما .. : " وبأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد " خطأ وإن أراد به المعنى الحق -وهو مستبعد كما تقدم- لأنه يوهم البدعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-[10]:" .. من قال: إن الظاهر غير مراد، بمعنى: أن صفات المخلوقين غير مرادة، قلنا له: أصبت في المعنى، لكن أخطأت في اللفظ، وأوهمت البدعة، وجعلت للجهمية طريقًا إلى غرضهم، وكان يمكنك أن تقول: تمر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين، وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم منه حدوثه أو نقصه.

ومن قال: الظاهر غير مراد بالتفسير الثاني وهو مراد الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم فقد أخطأ ".

وعليه فلو ذكر ابن باديس عبارته مقيدة-مثلا- بقوله " والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله".دون قوله:" .. أو مشابهة شيء من مخلوقاته " لكان قوله مقبولا صوابا موافقا لعقيدة السلف الصالح محمولا على المعنى الحق كما قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: " وأمّا قوله تعالى (ثمّ استوى على العرش) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً، ليس هذا موضع بسطها وإنّما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله؛ فإنّ الله لا يُشبهه شيء من خلقه و (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبّه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه، ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى".اهـ. [11]

-الوجه الثالث: إن كلام الشيخ بن باديس حول بعض الصفات وصرف معانيها عن ظاهرها المراد و تفسيرها بآثارها كصفة "الرحمة" حيث قال:" الرحمن: المنعم الذي تتجدد نعمه في كل آن" [12]، وقوله عن صفة "الإعراض" بأنها حرمان الثواب، و صفة "الحياء" بترك العقاب .. الخ [13]. لم يدع مجالا لحمل كلامه على المعنى الحق الحسن، مما يدل دلالة واضحة أن عبارته –السابقة- قصد بها المعنى الفاسد الباطل وهو نفي الظاهر المراد عند السَّلف الصالح الذي يليق بجلال الله و عظمته، والله أعلم.

وبهذا يُعلم أن الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله تعالى- قد أخطأ في عبارته تلك خطأ يتعلق بتوحيد الله - جل وعلا - في أسمائه و صفاته، فلا يجوز متابعته فيه، والواجب التنبيه والتحذير من الخطأ، خاصة مع انتشار الكتاب ووجود من يروج له، والظن الحسن ببعض المشايخ السَّلفيين الذين شرحوا الكتاب أو علقوا عليه أن يُحذروا طلبة العلم فضلا عن العامة من زلات العلماء ومنها عبارة الشيخ ابن باديس السابقة، والله الموفق.

نسأل الله - جل في علاه - أن يحفظنا من سيئي الاعتقاد و يجنبنا قبيح الانتقاد، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى الله تعالى

عبد الحق آل أحمد الجلفاوي

بتاريخ:5/جمادى الأولى/1429هـ

ــــــــــ

الحواشي:

[1]: ينظر: (شرح أصول الإيمان) لشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله تعالى-.

[2]: ينظر: (أضواء البيان) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى-.

[3]: ينظر: (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع الشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي-رحمه الله تعالى-.

[4]: ينظر: (فتح الباري) للحافظ ابن رجب الحنبلي-رحمه الله تعالى -.

[5]: ينظر: (مدارج السالكين) لإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى-.

[6]: الإلحاد في أسماء الله -جل وعلا- هو العدول بها و بجهاتها و معانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل، كما يدل عليه مادة (لحد) ومنه اللحد، وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط. والإلحاد في أسمائه تعالى أنواع منها: إلحاد أهل التعطيل الذين عطلوا الأسماء الحسنى من معانيها، وجحدوا حقائقها. ينظر: (توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام بن القيم، تأليف الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى -رحمه الله-.

[7]: ينظر: (أضواء البيان) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى-

[8]: (الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات) ضمن "مجموع الفتاوى".

[9]: (أضواء البيان) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى-.

[10] (الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات) ضمن "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى-.

[11]: (تفسير القرآن العظيم) للحافظ ابن كثير.

[12] ينظر: (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير) للشيخ عبد الحميد بن باديس-رحمه الله تعالى-.

[13] ينظر: (مجالس التذكير من حديث البشير النذير) للشيخ عبد الحميد بن باديس-رحمه الله تعالى-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير