تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي رواية: قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون" ([114]).

وفي رواية: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" ([115]).

وفي رواية: "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" ([116]).

قال شيخ الإسلام: هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي e: " لا يرقون" لأن الراقي محسن إلى أخيه، وقد قال e حين سئل عن الرقى: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" ([117]).

وقال e: " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً" ([118]).

وأيضاً فقد رقى جبريل النبي e ([119]).

قال: والفرق بين الراقي والمسترقي: أن المسترقي سائل مستعط ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي محسن، وإنما وصفت السبعين ألفاً بتمام التوكل، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون" ([120]).

روى البخاري بسنده عن جابر t عن النبي e قال: "إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي" ([121]).

قال ابن حجر: كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين، وأنه إذا جاز كان أعم من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره. وعدم الجواز مأخوذ من نسبة الشفاء إليه.

وفضل تركه من قوله: "وما أحب أن أكتوي".

وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "رمي سعد بن معاذ على أكحله فحسمه رسول الله e" ([122]).

قال الخطابي: إنما كوى سعداً ليرقأ الدم من جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك ([123]).

ومن طريق أبي سفيان عن جابر أن النبي e بعث إلى أُبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه" ([124]).

وعند الترمذي عن أنس أن النبي e " كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" ([125]).

وعن عمران بن حصين قال: "نهى رسول الله e عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا" ([126]).

والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى؛ لما يقتضيه مجموع الأحاديث. وقيل: إنه خاص بعمران لأنه كان به (الباسور) ([127])، وكان موضعه خطراً فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح ([128]).

الجمع بين أحاديث الفعل والنهي:

ظاهر هذه الأحاديث تعارض النهي والفعل، والحقيقة أنه لا تعارض بحمد الله، حيث إن الكي جنسان:

أحدهما: كي الصحيح؛ لئلا يعتل كما يفعل كثير من أمم العجم، فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم.

وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعل شبيهاً بذلك في الإبل إذا وقعت النقبة فيها – وهي جرب – أو العُرُّ – وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها – فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ ما به من العر أو النقبة.

وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله e وقال فيه: "لم يتوكل من اكتوى" ([129])، لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيح يدفع من قدر الله تعالى.

ولو توكل عليه وعلم أنه لا منجي من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكو موضعاً لا علة به ليبرأ العليل.

أما الجنس الآخر: فكي الجرح إذا نغل ([130])، وإذا سال دمه فلم ينقطع وهذا هو الكي الذي قال e إن فيه الشفاء.

وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول. ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة لم يتوكل، فقد أمر النبي e بالتعالج وقال: "لكل داء دواء" ([131]). لا على أن الدواء شاف لا محالة، وإنما يشرب على رجاء العافية من الله تعالى إذ كان الله جعل لكل شيء سبباً ([132]).

قال ابن حجر: "وهذا الذي يشرع التداوي به، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى؛ لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق".

وحاصل الجمع: أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه.

وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقاً إلى الشفاء، قال: ولم أر في أثر صحيح أن النبي e اكتوى" ([133]).

وقد جمع بينها أيضاً ابن القيم – رحمه الله تعالى – جمعاً أرى أنه لزاماً عليَّ ذكره: يقول - رحمه الله -: النهي عن الكي أن يكتوي طلباً للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية.

وقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع:

أحدها: فعله. الثاني: عدم محبته له. الثالث: الثناء على تركه. الرابع: النهي عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير