تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا يدل على: أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم" ([146]) اهـ كلام الحافظ.

قلت: ثم إن ممن باشر هذه الأمور (الاسترقاء، الاكتواء) من هو أفضل من السبعين الذين لم يسترقوا ولم يكتووا، ولا يقدح هذا في توكلهم، فقد يصاب المؤمن بمرض ليس له علاج إلا الكي، ويشق مرضه على أهله ومحبيه فيضطر للبر بهم وشفقة عليهم للاكتواء مع تمام توكله على الله تعالى، والله أعلم".

كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك ([147]).

روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث…" ([148]).

وروى مسلم من حديث أبي هريرة: "لا عدوى ولا طيرة ولا صَفَر ولا هامة" ([149]).

وكانوا يسمون الطير السانح والبارح، فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك.

والبارح: بالعكس وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح.

قال: الحافظ ابن حجر: وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له.

إذ لا نطق للطير ولا تمييز، فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله.

وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالباً لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين ([150]) اهـ كلام ابن حجر.

فبعضهم إذا حصل له في يومه ما يكرهه قال: تصبحت بوجه من هذا اليوم؟ تشاؤماً…

ومن الأسباب التي توجب وقوع المكروه الطيرة، والطيرة على من تطير ولكن نصب الله سبحانه لها أسباباً يدفع بها موجبها وضررها من التوكل عليه وحسن الظن به وإعراض قلبه عن الطيرة وعدم التفاته إليها وخوفه منها وثقته بالله عز وجل.

ولسنا ننكر أن هذه الأمور ظنون وتخمين وحدس وخرص، ومن كان هذا سبيله فيصيب تارة ويخطئ تارات، وليس كل ما تطير به المتطيرون وما تشاءموا به وقع جميعه وصدق، بل أكثره كاذب وصادقه نادر.

[والناس في هذا المقام إنما يقولون وينقلون ما صح ووقع ويعتنون به فيرى كثيراً، والكاذب فيه أكثر من أن ينقل.

يقول ابن قتيبة: "من شأن النفوس حفظ الصواب للعجب والاستغراب وتناسي الخطأ، ومن ذا الذي يتحدث أنه سأل منجماً فأخطأ وإنما الذي يتحدث به وينقل أنه سأل فأصاب".

وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال، وتقول: "تزوجني رسول الله e في شوال، فأي نساء رسول الله e كانت أحظى عنده مني" وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال ([151]).

مع تطير الناس بالنكاح في شوال، وهذا فعل أولي العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم، ووثقوا به، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم، وأن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر، فيعينون على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم.

أما المتوكلون على الله المفوضون إليه، العالمون بأمره فنفوسهم أشرف من ذلك وهمهم أعلى وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وجنة ممايتطير به المتطيرون، ويتشاءم به المتشائمون، عالمون أنه لا طير إلا طيره ولا خير إلا خيره ولا إله غيره] ([152]).

لا شك أن الطيرة شرك يقدح في التوحيد، وينافي كماله الواجب لمنافاتها التوكل على الله الواجب.

ولا علاج لمن وجدها في نفسه إلا بالتوكل على الله عز وجل والإعراض عنها، فقد شفى النبي e أمته في الطيرة فيما ثبت عنه، فعن ابن مسعود t رفعه: "الطيرة شرك وما منا إلا تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" ([153]).

قوله: (وما منا إلا) من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر. وإنما جعل ذلك شركاً لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضراً، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير