ـ[محب البويحياوي]ــــــــ[26 - 12 - 07, 05:26 ص]ـ
طبعا قصدنا كتاب الحيدة الذي هو موضوع هذا الحوار.
وفيه أيضا أن بشر لا ينكر علم الله، وإنما أنكر أن يكون علمه تعالى "شيئا ثبوتيا"، فأوله بـ"عدم الجهل".
فأرجو أن تتفطن إلى هذا الفرق الدقيق، فإنما عليه رد الكناني.
أهل السنة أثبتوا لله علما به يعلم الأشياء. وإثبات العلم ليس مجرد نفي الجهل. فهل فنعت الآن يا أخي؟
شيخنا الكريم أرجو أن يتسع صدركم لي فلم انكر أن المعتزلة و معهم بشر يتصرفون في معنى العلم بالتأويل بل حتى لفظ الدات و الوجود نفسه يحرفونه عن مواضعه و لكن ما أشرت اليه أن تصرفهم في صفة العلم هو مختلف عن تصرفهم في صفة السمع و البصر ففي الأولى اقروا بها و ان اختلفوا كما قلت سابقا في معناها هل هي ذاته او زائدة على الذات و هل يعلم بها ما سبق او لا أو أن تجددها كتجدد النظر الى الشيء ... الخ الى غيرها من المقالات التي اختلفوا فيها أشد الاختلاف الا ان جماهيرهم- الا قليلا من انكر صفة العلم أصلا- على التفرقة بين السمع و البصر و بين العلم و اتباث هذا الأخير -و لو على معنى محرف- على أنه بمعنى عالم أي ننفي عنه الجهل أما الأولان فينكرانهما و حجتهم عدم ورود الخبر بهما و يرجعان معنى السمع و البصر الى العلم لأن الغالية منهم فقط هم من أنكروا العلم و جحدوه و البقية لم تتجرأ خوفا من أن ينهد اليهم أهل الاسلام بسيوفهم لتبوثها في المتواتر و انما كانوا يجحدونها ان اضطروا اليها و هم آمنون كما في مناظرة حفص الفرد مع الشافعي .. و لأجل هذه التفرقة و ردهم السمع و البصر الى العلم توالت عليهم احتجاجات أهل السنة حين يحتجون عليهم في سياق اتباث صفة العلم و السمع و البصر و الكلام بأحاديث تتبث السمع و البصر دون غيرهما لأنهما الصفتان التي ادعت الجهمية عدم ورود النص بهما أما مناقشتهم لهم في صفة العلم فهي احتجاج على مستوى التأويل لا مستوى النقل ....
و هذا نقل الامام الأشعري عنهم في المقالات و هو أعلم الناس بهم "واختلف الذين قالوا لم يزل الله عالما قادرا حيا من المعتزلة فيه اهو عالم قادر حى بنفسه ام بعلم وقدرة وحياة وما معنى القول عالم قادر حى
فقال اكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية ان الله عالم قادر حى بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة واطلقوا ان لله علما بمعنى انه عالم وله قدرة بمعنى انه قادر ولم يطلقوا ذلك
على الحياة ولم يقولوا له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وانما قالوا قوة وعلم لأن الله سبحانه اطلق ذلك
ومنهم من قال له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك "
و الله أعلم بالحال و المآل
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[26 - 12 - 07, 06:10 ص]ـ
الأخ الكريم محب البويحياوي. . . وفقك الله دائما لكل خير وصلاح.
أولا: أرجوا أن لا تشيخني، فأنا ما استحقت ذلك اللقب قدر أنملة. وإنما نحن أخوان، لنا في هذه المسألة بعض العناية والاهتمام.
ثانيا: من الأفضل أن لا تخالط بين (المعتزلة) وبين بِشر هذا الجهمي. فبين الطائفتين فروق دقيقة. منها أن المعتزلة - عموما - قدريون لا يثبتون لله إرادة ولا خلقا في أفعال العباد، بل غلا بعضهم حتى لا يثبتون له تعالى علما بما هو كائن (أي: ما سيكون). وهذا موجود ذكره أيضا في نفس كتاب (الحيدة). ومعتنق هذه البدعة هو الذي سماه الكناني رحمه الله: (هو جهمي قدري)، لأن المعروف من الجهمية الأول أنهم جبريون لا يثبتون للعباد قدرة ولا إرادة [وها هنا لطيفة أيضا، أن بعض الجهمية - على ما يحكى عنهم - لا يمتنع من تسمية الله تعالى: قادرًا مريدًا، لكون تلك الصفتان عندهم منفيتن عن العباد، فقد التزموا بهذا الصنيع قاعدتهم الكبرى في نفي كل ما يطلق على العباد عن الله تعالى حتى لا يقولون عنه أنه شيء ولا أنه موجود - لاشتراك العباد في صفة الوجود والشيئية بزعمهم دون صفة القدرة والإرادة التين نفوهما عن العباد بجبريتهم].
ثالثا: امتناع بشر من إثبات صفة "العلم" لله تعالى - كصفة ثبوتية - أمرٌ طبيعيٌ معقول. فهو يعلم تماما أنه إذا أثبت العلم لله، فسوف يلزمه أن يقول إن العلم شيءٌ، فدخل إذن - على قاعدته هو - في عموم قوله تعالى: (خالق كل شيء). فينتج من هذا المنطق - ولا محيدة لبشر عنه -: "أن علم الله مخلوق"، و "أن الله تعالى قبل خلق العلم كان جاهلا" - وهذا كفر صريح بواح. وهذا هو الذي جعل بشر ينكر أن يكون لله علم إلا بمجرد معنى "رفع الجهل" عنه تعالى سبحانه.
رابعا: بشر - في تلك المناظرة - لم يكن يسأل عبد العزيز ويناقشه في صفتى السمع والبصر. وهذا هو السر في عدم توسع عبد العزيز رحمه الله في الكلام على هاتين الصفتين. بل إنه لم يكن يشرح معنى كون الله تعالى سميعًا بصيرًا ولو تلميحا (لعدم من طالبه بذلك). فمثل هذا الموقف لا يقاس بما يجول في الخارج من النقاش والنزاع الشديدين حول هاتين الصفتين. فلكل مقام مقال.
ومثل هذا التدقيق والتعيين في البحث أراه أليق بنا وأنفع وأجدر من خلطه بمواضيع أخر ونقول عامة قد تجعل الفكر مشتتا. ولكم مني جزيل التقدير والامتنان، والله الموفق للرشد والجنان. . إنه ولي ذلك والقادر عليه.
¥