الذي يظهر من كلام شيخ الإسلام رحمه الله:
1 - أن كل ما أصاب العبد من المصائب لا يكون إلا بسبب من العبد. إما من أصل الشر الذي في نفسه (لأنه خلق ظلوما جهولا)، وإما من الذنب الذي قد اقترفه. ولذلك قالوا في خطبة الحاجة: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا). ومن الأدعية النبوية الصديقية: (أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم).
2 - فالأول من جنس الابتلاء والامتحان، وهو تمحيص للشرور الموجودة في النفوس - نفس كل واحد من بنى آدم بلا استثناء. وقد لا يسمى هذا النوع " عقوبة "، لكن السبب بلا شك: من العبد، كما قال تعالى: وما أصابك من سيئة فمن نفسك. ومن الملاحظ هنا، أن سبب الامتحان ليس هو الإيمان والصلاح والتقوى! بل سببه ما يتبقى في النفوس من الشرور. ولذلك كان لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وأهله وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. فالأنباء أشد الناس بلاء، ليصبح شر النفس عندهم أقل القليل أو عدما.
3 - والثاني من جنس العقوبة على الذنوب أو تكفيرها. وهو عند المؤمن - في الدنيا - خير، لأن فيه عتابًا ودعوة إلى التوبة والاستغفار والإصلاح، وسدًّا لأبواب الكبر والافتخار. والرجل قد يفعل ذنبا يدخل به الجنة بإذن الله تعالى. فإن المؤمن بعد التوبة قد يكون أحسن منه قبل الخطيئة.
4 - ولا تنس أن الذنب الواقع بالرجل هو نفسه عقوبة على ذنب له قبله. ومعاقبة الله تعالى ذنوب عبدٍ بذنوب أخري - ذنبا بعد ذنب - لهو أشد العقوبات وأخطرها، لأن ذلك تكثير لرصيد العذاب، والعياذ بالله. قال تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسيه يحرفون الكلم عن مواضعه و نسوا حظاً مما ذكروا به). فقسوة القلوب وتحريف الأمانة عند هؤلاء اليهود هي عقوبة لنقضهم الميثاق - نسأل الله العافية.
5 - وههنا سؤال: وباي شيء وقع أول الذنب للعبد؟ جوابه: أول الذنب ليس شيئا وجوديا، بل هو شيئ عدمي. لأن أول الذنب هو " ترك الإيمان والإسلام والعبادة والطاعة ". والعبد إنما خلقه الله لأجل ذلك الوظيفة. وأول ذنبه تركها. والترك ليس شيئا وجوديا، بل هو عدمي. والعدم لا يضاف إلى الله تعالى، بل يكفي فيه عدم المشيئة منه جل جلاله.
6 - فالتفريق بين (الابتلاء) و (العقوبة) في الأشياء السيئاء من البأساء والضراء والزلازل: تفريق لا حاجة بنا إليه في أرض الواقع، لأنهما لا يحصلان إلا بسبب من العبد - ما يدعواه إلى مزيد المحاسبة والمراقبة. وإنما التفريق المهم: التفريق بين (النصر والتأييد) وبين (الاستدراج في الذنوب)، لأن الأول يكون لأهل الجهاد الصلاح، والثاني لأهل الفجور والطلاح.
نسأل الله أن يجعلنا من عباه الصالحين. . . اللهم آمين.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[23 - 01 - 08, 10:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
بارك الله في الشيوخ الكرام
بارك الله فيكم شيخنا سليمان ووفقكم وسددكم
بالإضافة إلى ما ذكره الشيوخ الكرام والإخوة الفضلاء أقول:
يظهر أن بين العقوبة والابتلاء عموماً وخصوصاً من وجه فهما يتفقان في أمور وينفرد كل منهما بأمور لكن قبل ذكر هذه الأمور أحب أن أذكر بعض الأمور الأساسية في الموضوع:
أولاً: لا بد أن يعلم أن وجود المصائب في حياة المخلوق أمر كوني قدري يصيب المؤمن والكافر فهو كخلق البرد والحر والأمراض والهموم ومثل هذا يحصل حتى للبهائم والأطفال والمجانين ممن لا يتعلق بهم التكليف وليسوا بذاتهم مظنة العقوبة أو الابتلاء، ومثل ذلك وجود البراكين والزلازل ونحو ذلك في مواطن لا يسكنها المكلفون وكذا خلق الحيوانات المؤذية كالأفاعي والعقارب ونحوها وهذا الأمر من مقضتى حكمة الله تبارك وتعالى وبه تظهر صفات الله عز وجل العظيمة من الحكمة والعلم والإرادة والقدرة.
¥