وأما الابتلاء فقد يقع بذنب وقد يكون بدون ذنب وغالباً ما يكون لمن كان صالحاً ولذا سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أي الناس أشد بلاء؟ فقال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل؛ يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة؛ خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة " أخرجه احمد والترمذي وغيرهما
وقد ابتلى سبحانه وتعالى أكرم خلقه وهم الأنبياء قال تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن}
ويمكن أن يعرف المرء ذلك بنوع الذنب فهناك من الذنوب ما تقع عقوبتها في الدنيا عاجلة كعقوق الوالدين والبغي وظلم الخلق والمجاهرة بالذنوب والاستخفاف بها وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعدي على ذات الله أو القرآن أو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالسب أو الاستهزاء وما شابه ذلك من عظائم الذنوب ولذلك قد يكون الرجل في ظاهره صالحاً لكنه كان عاقاً لوالديه فيعاقب بعقوق ولده ولا يكون هذا ابتلاء بل عقوبة فالجزاء من جنس العمل، والغالب ان الله لا يعاقب على صغار الذنوب فضلاً منه وتكرماً وغنما يكفرها بالعبادات كالوضوء والصلاة والصوم والحج والعمرة والذكر؛ إذ لا يخلو من هذه الذنوب عبد ولذا يقول تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} ويقول تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} وقال تعالى: {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير}.
3 - أن العقوبة لا تكون إلا في أمر مكروه للخلق وأما الابتلاء فقد يكون في المكروه والمحبوب والخير والشر ولذا يقول تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} فالمال والزوجة والأولاد من الابتلاء ومن الفتنة كما أخبر الله عن ذلك بقوله: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم}.
4 - أن العقوبة تقع على المرء حتى في دينه فيستمر في العصيان ويحرم من الطاعة وأما الابتلاء فلا يكون في نقص الدين وإنما في أمور الدنيا فيبتلى بنقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك وإنما يبتلى في الدين من جهة ثباته عليه وقيامه بواجباته لا يبتلى بان يسلب منه.
5 - أن العقوبات قد تكون شرعية وقد تكون قدرية فالعقوبات الشرعية محددة كالحدود والكفارات و غير المحددة كالتعزيرات، والعقوبات القدرية في البدن والمال والنفس والولد، وأما الابتلاء فلا يكون إلا في الأمور القدرية كالابتلاء في المال والنفس والولد ونحو ذلك دون أمر شرعي يوجب ابتلائه بذلك.
6 - أن الابتلاء يقع في زمن التكليف فقط فلا ابتلاء في الجنة، أما العقوبة ففي الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة.
7 - أن الابتلاء يوصف به التكاليف الشرعية فأصل الابتلاء الاختبار وما يتضمن ذلك من مشقة، ولا توصف التكاليف بالعقوبة فكل التكاليف من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات ابتلاء واختبار للعباد ينظر من يقوم بها ومن يفرط فيها.
8 - أن الغاية من الابتلاء تمحيص المؤمن ومعرفة قوة إيمانه وصبره في سبيل الله وأما العقوبة فهي جزاء لما صنعه العبد من ذنوب.
ويتفق كل من العقوبة والبلاء:
1 - أن كلاً منهما يأتي بما يسوء المرء من مصائب فالعقوبة كما سبق دومأ تأتي بما يسوء والابتلاء قد يكون بالشر وقد يكون بالخير.
2 - أن كلاً منهما قد يكون بسبب الذنوب أما العقوبة فقطعاً بسبب الذنب وأما الابتلاء فكما سبق قد يكون بذنب وقد يكون بغير ذنب.
3 - أن كلاً منهما يصيب المسلم.
وغير ذلك من الأمور المشتركة.
فهذا ما يظهر لي في هذا الباب وهي اجتهاد قابل للبحث والنظر والله أعلم
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[26 - 01 - 08, 09:45 ص]ـ
كيف نُفرق بين الابتلاء والعقوبة؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
¥