الإشكال الثاني: فتح باب الاستدلال بالاحتمالات والظنيات على المطالب اليقينية، فيفتح باب القدح والتكذيب، وادعاء التعارض بين محتملات القرآن والسنة وبين المكتشفات العلمية
الإشكال الثالث: دخول الدور الممتنع في الإلزام بحمل عبارات القرآن والسنة على أوسع محتملاتها وأصحها بناء على الكمال العلمي لمصدرهما
وفي ثنايا البحث ... ذكر الدكتور حفظه الله تحفّظه من إطلاق لفظة (الإعجاز العلمي) على تلك المكتشفات بغض النظر عن صحّتها من خطئها .... مع إقراره بأنه لا مشاحّة في الاصطلاح ... واقترح الاقتصار على تسميتها بالمكتشفات بدلا من المعجزات العلمية ....
ثم وضع الشيخ حفظه الله شروطا ارتآها لثبوت الدلالات العلمية للنصوص الشرعيّة وهي:
1 - أن يكون النص مفهوم المعنى تماما لمجموع المخاطبين به منذ صدوره.
2 - أن يكون المعنى الإعجازي مدلولا متعينا للنص.
3 - ألا يكون صدق هذا المعنى ومطابقته للواقع في الأمر نفسه معلوما من َقبلُ للمخاطبين.
4 - ألا يحتمل كونه مقولا بظن النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده.
5 - إجماع المختصين على كون الاكتشاف العلمي المدعى وقوع الإعجاز العلمي به حقيقًة قطعيةنهائية تمتنع إعادة النظر فيها، واشتهار ذلك بما تنتفي معه شبهة التقول عليهم
هذا خلاصة قول الشيخ حفظه الله ..... ولدي من التعليقات الآتي:
* بالنسبة لكلام الشيخ في القسم الأول وهو دلالة المكتشفات العلمية على وجود الله وصفاته أمرٌ صحيح، والإشكال الذي حذّر منه واقعٌ للأسف الشديد، والمتمثّل في ظنّ المهتمّين بالإعجاز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم تلك التفاصيل العلمية للمكتشفات ..... وهذا خطأ (ص 301)
ومثال ذلك: قوله تعالى: ((أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت)) لا يعني أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن تفاصيل خلقة الجمل وعجائب خلقته، ومثل ذلك قوله تعالى: ((وأوحى ربك إلى النحل)) لا يعني معرفة النبي- صلى الله عليه وسلم - بكل تفاصيل مملكة النحل، وإنما يُستفاد من تلك النصوص إيمانيا في إثبات وجود الله ومعرفة صفاته ووحدانيته
* وأما قوله: أن العلم بتلك التفاصيل ليست شرطا في كمال الإيمان ...
فمقصوده من خلال ما قرأته أن معرفة تلك التفاصيل ليست الوسيلة الوحيدة للوصول إلى كمال الإيمان أو زيادته، وإلا فقد وصل الأولون إلى كمال الإيمان وحقّقوه من غير هذا الباب.وهذا حقّ
أما أن يُقال أن تلك التفاصيل لا تثمر في القلب زيادة في الإيمان، فهذا يُخالفه الواقع
بالنسبة للقسم الثاني:
*فالاستدلال على المقام السلبي أمرٌ صحيح معمول به عند المهتمين بالإعجاز، وقد قام الأخ مجدي أبو عيشة حفظه الله والأخ سيف الكلمة في منتدى التوحيد وغيره بفتح مجال للتحدي بعدم وجود معارضة بين الشرع والعلم، وهو مستمرّ لمدة سنين ولم يُفلح كافر بذلك، بل وضع الأخ سيف الكلمة جائزة 2000 دولار لمن يستطيع ذلك، ولن يفلحوا
* أما التحفّظات التي ذكرها على المقام الإيجابي:
التحفّظ الأول: اتهام الجيل الأول من المسلمين - وفيهم الرسول صلى الله عليه وسلم – بالخطأ في فهم شيء من القرآن، أو خفائه عليهم
فهذا غير صحيح، من جهة أن الجيل الأول قد فهموا الدلالة اللغوية لتلك النصوص، إلا أن إدراك الحقائق أمرٌ آخر، وإدراك مدى التطابق بين الحقيقة العلمية والنص الشرعي لم يكن متاحا في ذلك الزمان، لعدم وجود آلاته، ولقصور المعارف الإنسانية عن الوصول إليه.
على أن الحديث في شأن الإعجاز العلمي متعلّقٌ بفهم حقيقة تلك الألفاظ ومدى تطابقها مع العلم الشرعي، هذا هو الجديد الذي قدّمه علم الإعجاز العلمي، أما الفهم الشرعي واللغوي لدلالات النصوص فهو قديم وليس بمستحدث.
مثال: نعلم الدلالة اللغوية المعنية بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء))، والمعنى مذكور باستفاضة في كتب الشرّاح، أما الجديد هو الإثبات العلمي لوجود تلك الجراثيم على الأجنحة على النحو الذي يتطابق مع العلم الحديث.
وقد تمّ إثبات ذلك في مؤتمر الإعجاز العلمي الثامن والذي جرى في الكويت.
وعليه فليس في هذا تجهيلٌ بالصحابة، ومن قال أنهم كانوا يدركون الحقائق العلمية وطبيعتها من خلال فهمهم للدلالة اللغوية فقد أبعد عن الواقع
¥