قال أبو محمد في كتابه هذا الذي صنفه في أصول السنة والتوحيد
درء التعارض
[جزء 4 - صفحة 352]
: (والفصل الثاني: معرفة الربوبية وهي خاصة للمكلفين من بني آدم وهي تعم مؤمنهم وكافرهم وسائر فرقهم وهي ضرورية أيضا وهي عن رؤية وهي قوله سبحانه: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} وهذا في غير وقت الكسب والتكليف فتعرف إليهم بنفسه بلا وسائط ولقنهم التاء وخاطبهم بحرف التعريف فأقر الكل له بتلك المعرفة إذ عاينوه جبارا قهارا وهي معرفة لا يقع بها إيمان ولا توحيد لأنها إقرار للضرورة وليس للكافر فيها اختيار إذ لو كان له فيها اختيار لجحدها كما جحد معرفة التوحيد ولو كانت كسبية لوقع له بها إيمان وثواب بلى هي ضرورية يرجع إليها في شدائده قال تعالى: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}
وقد أخبر عن الكفار أنهم يعرفونه مع ردهم على رسله قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} وقال سبحانه: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} مع آيات كثيرة وذلك موجود منهم ضرورة وهم في الجاهلية يعرفونه ولا ينكرونه ويقولو ن: إلهنا القديم والعتيق وإله الآلهة ورب الأرباب وغير ذلك مع كفرهم
فدل ذلك على أن تلك ضرورة ألزموها وهو قوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} و قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} يعني: معرفة ربوبيته
وقد جاء في الأثر: يقول الله تعالى: (خلقت خلقي حنفاء مقرين) يعني عرفاء عرفوه بوحدانيته وأقروا له بمعرفة ربوبيته وإنما جحدوا معرفة التوحيد الذي تعبدهم بها على ألسنة السفراء وهو قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
وقول صاحب الشرع: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله] لم يقل: حتى يقولوا: إن ربهم ربا إذ هم عارفون بذلك وإنما أمرتهم الرسل أن يصلوا معرفة التوحيد بمعرفة الربوبية والوحدانية فأبوا وقبل ذلك الموحدون
فقال في حال المؤمنين: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} وقال في حال الكفار: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل}
فالسفراء لهم مدخل في معرفة التوحيد دون معرفة الوحدانية والربوبية إذ لكل معرفة مقام فليس للعقل والكسب والوسائط والنظر والاستدلال في هذه المعرفة حكم لكونها عامة موجودة ممن يصح منه النظر والاستدلال وممن لا يصح منه فلو كلفهم كلهم النظر والاستدلال لكان مكلفا لهم شططا إذ لايصح من الكل النظر والاستدلال ويصح من الكل المعرفة بالاضطرار فحملهم من ذلك ما رفع به عنهم الشطط
وحديث الجارية فمشهور وهي مما لا يصح منه النظر والاستدلال وكذلك الأبله والمجنون وغيرهم لو سألتهم عن الله سبحانه لأشاروا إليه بما عرفهم فتعرف سبحانه قبل التكليف بنفسه وبعد التكليف بالسفراء لأنه لو خطابهم وكاشفهم قبل التكليف بلا سفير لبطل التكليف)
قال:
)
فهذه المعرفة ضرورة للعارف موجودة فيه كوجود ضرورة المقعد وقعوده موجودة فيه فهو سبحانه المعروف الذي لا ينكره شيء والمعلوم الذي لا يجهله شيء فمن كانت معه معرفتان فهو كافر وبالمعرفة الثالثة يصح الإيمان وهو الفصل الثالث:
وهي معرفة التوحيد التي دعت الرسل إليها وبعثوا بها وكلفنا قبولها وهي قوله: {وإلهكم إله واحد} وهو قوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وأخبرنا أنه ما كان معذبا قبل بعثتهم فكانوا يعرفون أن لهم ربا وإلها ولكنهم ينكرون توحيد الإله وبعث رسله وشرائع دينه وبه وقع منهم الكفر
فوجود ذلك منهم يزيل عنهم معرفة التوحيد ولا يزيل ضرورتهم وهذه المعرفة وجبت بالتوقيف وهي ما وقفتنا الرسل عليه ودلنا عليه سبحانه ووفقنا لذلك وبها يجب الخلود في الجنة وبعدمها يجب الخلود في النار وهي مكتسبة ولم تجب بالعقل) انتهى كلامه
قال بن تيميه فى درء التعارض
[جزء 4 - صفحة 391]
وإنما المقصود التنبيه على أن المعجزات قد يعلم بها ثبوت الصانع وصدق رسوله معا وما ذكرناه من كون الإقرار بالصانع فطري ضروري هو قول أكثر الناس حتى عامة فرق أهل الكلام قال بذلك طوائف منهم من المعتزلة والشيعة وغيرهم
وكون المعرفة يمكن حصولها بالضرورة لم ينازع فيه إلا شذوذ من أهل الكلام ولكن نازع كثير منهم في الواقع وزعم أن الواقع أنها لا تحصل لأكثر الناس إلا بالنظر
وجمهور الناس نازعوه في هذا وقالوا: بل هي حاصلة لأكثر الناس فطرة وضرورة) انتهى
المنتصر بالله الشرقاوى
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[26 - 01 - 08, 05:12 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و بعد:
ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ في أول (فتح المجيد، ص 15) عن الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ أن قال: ((و أما التوحيد الذي دعت إليه الرسل و نزلت به الكتب فهو نوعان: توحيد في المعرفة و الإثبات، و توحيد في الطلب و القصد ... إلخ كلامه)).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ: ((فأما توحيد الربوبية فهو الأصل، و لا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه ... )). (الدرر السنية، 2/ 64)
¥