تعبد الله لأنك تحبه وترجو رحمته وتخاف عذابه.
أولها المحبة:
عبادة عظيمة من العبادات، وهي تلك المحبة التي تقوم على منتهى التعظيم والتذلل لله عزوجل، وتفوق كل المحاب، والدليل على أن المحبة عبادة لله عز وجل قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} [التوبة: 24].
فأصل الأعمال كلها هو المحبة، فالإنسان لا يعمل إلا لما يحب، إما لجلب منفعة، أو لدفع مضرة، فإذا عمل شيئاً، فلأنه يحبه إما لذاته كالطعام: أو لغيره كالدواء.
وعبادة الله مبنية على المحبة، بل هي حقيقة العبادة، إذ لو تعبدت بدون محبة صارت عبادتك قشراً لا روح فيها، فإذا كان الإنسان في قلبه محبة لله وللوصول إلى جنته، فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك.
ولهذا لما أحب المشركون آلهتهم توصلت بهم هذه المحبة إلى أن عبدوها من دون الله أو مع الله.
قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ... } [البقرة: 165].
وهذه الآية من الأدلة على أن المحبة عبادة لا يشرك فيها مع الله عز وجل،
واختلف المفسرون في قوله: {كحب الله} على قولين:
القول الأول: يجعلون محبة الأصنام مساوية لمحبة الله، فيكون في قلوبهم محبة لله ومحبة للأصنام، ويجعلون محبة الأصنام كمحبة الله، فيكون المصدر مضافاً إلى مفعوله، أي يحبون الأصنام كحبهم لله.
وهذا القول هو قول أكثر السلف والمفسرين، وهو اختيار ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
والقول الثاني: يحبون هذه الأصنام محبة شديدة كمحبة المؤمنين لله. وقال بهذا جماعة من المفسرين.
وسياق هذه الآية يؤيد القول الأول.
بدليل: {والذين آمنوا أشد حباً لله}، فهذه صيغة تفضيل، والأصل في صيغة التفضيل اشتراك كل من الفاضل والمفضول في قدر مشترك، وهو هنا محبة الله عزوجل.
ويعضد هذا أنه قد دل الكتاب والسنة على أن المشركين كانوا يعرفون الله تعالى، وأنهم يثبتون أنه سبحانه تعالى هو الصانع والخالق لهذا الكون، بل كانوا يعبدون الله بعض العبادات، قال تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}، و كانوا يقولون في تلبيتهم: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك!! " رواه البزار بسند حسن.
والمحبة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: محبة الله، وهذه هي محبة العبادة، وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة، فهو مشرك شركاً أكبر، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة.
القسم الثاني: محبة غير الله، وهذه قسمان:
مباح وغير مباح:
أما غير المباح فنوعان:
النوع الأول: المحبة الشركية، وهو أن يحب غير الله كحب الله أو أشد، ومضت فيها النصوص. وهي المحبة التي توفرت فيها أركان العبادة القلبية كما أسلفنا.
النوع الثاني: المحبة المحرمة: وهي المحبة التي تدفعك إلى فعل المحرم أو ترك الواجب، كشراء الدشوش محبة للزوجة والأولاد، أو كأن يترك الأب أو الولي ابنته أو موليته البالغة تلبس ما شاءت من اللباس لأنه يحبها، أو كمن يحلق لحيته حبا لزوجته!
وأما المباح فأربعة أنواع:
النوع الأول: المحبة لله وفي الله، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله، أى: كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص، كالأنبياء، والرسل، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
أو أعمال، كالصلاة، والزكاة، وأعمال الخير، أو غير ذلك.
وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله.
النوع الثاني: محبة إشفاق ورحمة، وذلك كمحبة الولد. والصغار، والضعفاء، والمرضى.
النوع الثالث: محبة إجلال وتعظيم لا عبادة، كمحبة الإنسان لوالده، ولمعلمه، ولكبير من أهل الخير.
¥