تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيُخاف من الله جل وعلا خوف السر أن يصيب العبد بشيء من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، المشركون يخافون آلهتهم خوف السر؛ أن يصيبهم ذلك الإله، ذلك السيد، ذلك الولي، أن يصيبهم بشيء كما يصيبهم الله جل وعلا بالأشياء، فيقع في قلوبهم الخوف من تلك الآلهة من جنس الخوف الذي يكون من الله جل وعلا، يوضح ذلك أن عُبَّاد القبور وعباد الأضرحة وعباد الأولياء يخافون أشد الخوف من الولي أن يصيبهم بشيء إذا تُنُقِّص الولي، أو إذا لم يُقَم بحقه.

قال الشيخ صالح آل الشيخ في " شرح الأصول الثلاثة ": [حُكِيَ لي في ذلك حكاية من أحد طلبة العلم، أنه كان مجتازا مرة مع سائق سيارة أجرة ببلدة (طنطة) المعروفة في مصر التي فيها قبر البدوي؛ والبدوي عندهم معظم، وله من الأوصاف ما لله جل وعلا؛ يعني يعطونه من الأوصاف بعض ما لله جل وعلا، هم اجتازوا بالبلدة فأتى صغير -متوسط في السن- يسأل هذا؛ يسأله صَدقة، فأعطاه شيئا، فحلف له بالبدوي أن يعطيه أكثر، وكان من العادة عندهم أنه من حلف له مثل ذلك فلا يمكن أن يرد، فلا بد أن يعطي؛ لأنه يخاف أن لا يقيم لذلك الولي حقه، فقال هذا -وهو من طلبة العلم والمتحققين بالتوحيد- فقال: هات ما أعطيتك. فظن ذلك أنه يريد أن يعطيه زيادة, فأخذ ما أعطاه وقال: لأنك أقسمت بالبدوي فلن أعطيك شيئا، لأن القسم بغير الله شرك.

هذا مثال للتوضيح ليس من باب القصص لكنه يُوضِح المراد من خوف السر وضوحا تاما.

سائق الأجرة علاهُ الخوف في وجهه، ومضى سائقا وهو يقول: أُسْتُر أُسْتُر، أُسْتُر أُسْتُر. فسأله ذاك قال: تخاطب من؟ قال: أنت أهنت البدوي، وأنا أخاطبه -أي أدعوه- بأن يستر، فإننا نستحق مصيبة، وسيرسل علينا البدوي مصيبة؛ لأننا أهناه. وكان في قلبه خوف بحيث أنه مشوا أكثر من مئة كيلو ولم يتكلم إلا باستر، استر. يقول فلما وصلنا سالمين معافين توجهت له فقلت: يا فلان أين ما زعمت؟ وأين ما ذكرت من أن هذا الإله الذي تألهونه أنه سيفعل ويفعل؟ فتنفس الصعداء وقال: أصل السيد البدوي حليم!!!

هذه الحالة هي حالة تعلق القلب بغير الله، الذي يكون عند الخرافيين، خوف من غير الله خوف السر، البدوي ميت في قبره، يخشى أن يرسل إليه أحد يقسمه، أو مصيبة في سيارته أو في نفسه، هذا هو خوف السر، وهذا هو الذي جاء في مثل قول الله جل وعلا ?وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ? [الأنعام:81] , قال (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) لأنهم يخافون آلهتهم هذا النوع من الخوف، لهذا تجد قلوبهم معلقة بآلهتهم لأنهم يخافونهم خوف السر، وقال جل وعلا مخبرا عن قول قوم هود حيث قالوا لهود ?إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ? [هود:54]، فهم خافوا الآلهة، عندهم أن الآلهة تصيب بسوء، وكان الواجب على حد زعمهم أن يخاف هذا من الآلهة أن تصيبه بسوء، فقالوا له (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) يعني بمصيبة في نفسك اختل عقلك، أو اختلت جوارحك أو نحو ذلك، هذا النوع من الخوف هو الذي إذا صرف لغير الله جل وعلا فهو شرك أكبر].انتهى كلامه - حفظه الله تعالى -.

فالخوف بهذا المعنى من العبادات العظيمة التي يجب أن يُفرد الله بها.

القسم الثالث: الخوف المحرم: وهو أن يخاف من مخلوق بامتثال واجب أو البعد عن محرم مما أوجبه الله أو حرمه، يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله، يخاف من مخلوق في أداء واجب من الواجبات؛ لا يصلي خوفا من مخلوق، لا يحضر الجماعة خوفا من ذم المخلوق له أو استنقاصه له، فهذا محرم، قال بعض العلماء: وهذا من أنواع الشرك الأصغر. يترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له أومن وصمهم بأشياء، فهذا خوف رجع على الخائف بترك أمر الله, وهذا محرم؛ لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة. مثاله: أن يحلق لحيته أو لا يقصر ثوبه خوفا من انتقادات الناس، ومن أمثلته أيضا أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية لعرضه من الناس أو خوف انتقاد الناس!! وهذا القسم منتشر بين الناس للأسف الشديد، خاصة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير