القسم الرابع: الخوف الطبيعي المأذون به أو الجبلي: كالخوف من عدو أو خوف من سَبُع, أو خوف من نار، أو خوف من مؤذي ومهلك ونحو ذلك، فهذا في الأصل مباح لقوله تعالى عن موسى: {فخرج منها خائفاً يترقب}، وقوله عنه أيضاً: {رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون}، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم؛ أصبح من القسم الثالث الذي هو الخوف المحرم، وإن استلزم شيئاَ مباحاً كان مباحاً، فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها؛ فهذا الخوف محرم، والواجب عليه أن لا يتأثر به.
وإن هدده إنسان على فعل محرم، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به، فهذا خوف محرم لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر، وإن رأى ناراً ثم هرب منها ونجا بنفسه؛ فهذا خوف مباح، وقد يكون واجباً إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه.
وهناك ما يسمى بالوهم وليس بخوف، مثل أن يرى ظل شجرة تهتز فيظن أن هذا عدو يتهدده، فهذا لا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك، بل يطارد هذه الأوهام لأنه حقيقة لها، وإذا لم تطاردها؛ فإنها تهلكك.
· ثالثا: الرجاء:
الرجاء عبادة عظيمة من العبادات، والدليل على أنها عبادة قوله تعالى ?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا? [الكهف:110].
والرجاء عبادة قلبية يجب أن يفرد الله بها، حقيقتها الطمع بالحصول على شيء مرجو, الرغبة بالحصول على شيء، يرجو أن يحصل على هذا الشيء.
لكن هل كل رجاء لغير الله شرك؟
الجواب:
الرجاء أقسام:
الأول: رجاء الله سبحانه وتعالى في أمورك كلها فهذا عبادة، وتوحيد، ومدح الله قائله كما في الآية السابقة.
الثاني: رجاء المخلوق، وهذا أنواع:
الأول: أن يطمع في شيء لا يملكه إلا الله جل وعلا، أن يطمع في شفائه من مرض، يرجو أن يشفى، يرجو أن يدخل الجنة وينجو من النار، يرجو أن لا يصاب بمصيبة ونحو ذلك، يرجو نزول المطر، يرجو التوفيق في الحياة، هذه أنواع من الرجاء، لا يمكن أن تُرجى وتُطلب وتُؤمل إلا من الله جل وعلا، وهذا هو معنى رجاء العبادة. هذا النوع صرفه لغير الله عزوجل شرك أكبر، وضابطه أن يرجو مخلوقا في شيء لا يقدر عليه إلا الله عزوجل، كمن يرجو أن ينجحه البدوي في الاختبار، أو يرجو أن ينصره علي بن أبي طالب بعد موته.
الثاني: أن يرجو المخلوق في شيء يقدر عليه ويملكه، ولكنه يعلق قلبه على هذا المخلوق، وينصرف إليه القلب انصرافا تاما، فيعتمد على هذا السبب اعتمادا كليا فهذا من الشرك الأصغر، مثل أن تعتمد عليه أن يعطيك مالاً، فأنت واثق بأن يعطيك، أو أن تطمع في مهارة الطبيب، فتثق بحصول الشفاء وهذا من الشرك الأصغر.
ويدخل في هذا النوع أن يطمع ويتوقع ويرجو الشفاء والخير من الله لكن بوسيلة محرمة كمن لبس حلقة أو خيط على أن تكون سبباً للشفاء أو فعل ما يسمى بالشبكة يطمع من الله أن تكون سبب الألفة والاشتباك بين الزوج والزوجة، وهذا من الشرك الأصغر كما في حديث عقبه بن عامر مرفوعاً [من تعلق تميمة فقد أشرك].
النوع الثالث: أن يرجو المخلوق في شيء يقدر عليه، ويملكه لكنه لا يعلق قلبه بالمخلوق، بل يجعله سببا، ويعتمد على الله عز وجل، ويعلم أن ما قدره كان وما لم يقدره لم يكن، وهذا هو الرجاء الطبيعي مثاله أن يقول: أرجو أن تحضر لأنه يمكنك أن تحضر، أرجوك أن تفعل، يمكنك أن تفعل، هذا الرجاء ليس هو رجاء العبادة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - عن هذه الألفاظ " أرجوك "، " تحياتي "، و " أنعم صباحاً "، و " أنعم مساءً "؟
فأجاب بقوله:
[لا بأس أن تقول لفلان " أرجوك " في شيء يستطيع أن يحقق رجاءك به.
وكذلك" تحياتي لك "، و " لك منى التحية "، وما أشبه ذلك لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء/86، وكذلك " أنعم صباحاً " و " أنعم مساءً " لا بأس به، ولكن بشرط ألا تتخذ بديلاً عن السلام الشرعي].
" المناهي اللفظية " (السؤال الثامن).
فالرجاء منه ما هو رجاء عبادة ومنه ما هو رجاء ليس من العبادة، والمقصود ها هنا هو رجاء العبادة؛ وهو الرجاء في شيء لا يقدر عليه إلا الله وحده لا شريك له.
¥