3 - قال العلاّمة صديق حسن خان القنوجي (ت 1307هـ) ـ رحمه الله ـ في كتابه (الموعظة الحسنة ص 141 ط دار الكتب العلمية):
((قد وقع نفي صفر، و النهي عن التطير به في أحاديث كثيرة بطرق متعددة ثابتة، و اختلف أهل العلم في المراد بصفر.
فقيل: هو حية في البطن تعض إذا جاع، و قيل: دود فيه.
و قيل: هو الشهر المعروف، زعموا أن فيه تكثر الدواهي و الفتن، فنفاه الشارع، و أبطله الإسلام.
و قيل المراد به: النسيء، و هو تأخير المحرم إلى صفر، و جعل صفر هو الشهر الحرام، و بنحوه قال القاضي عياض، و قيل غير ذلك.
و حاصل الأقوال يرجع إلى ثلاثة: الشهر المعروف، أو الدود في البطن، أو النسيء، و لم أقف على حديث في فضل شهر صفر و لا ذمه)) اهـ.
4 - قال العلاّمة المفسر مفتي الديار التونسية محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393هـ) ـ رحمه الله ـ في مقال له نشر في (المجلة الزيتونية) [7] بعد مقدمة عن اعتقادات أهل الجاهلية و إبطال الإسلام لها:
((و من الضلالات التي اعتقدها العرب اعتقاد أن شهر صفر شهر مشؤوم، وأصل هذا الاعتقاد نشأ من استخراج معنى مما يقارن هذا الشهر من الأحوال في الغالب عندهم و هو ما يكثر فيه من الرزايا بالقتال و القتل، ذلك أن شهر صفر يقع بعد ثلاثة أشهر حرما نسقا و هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم، و كان العرب يتجنبون القتال و القتل في الأشهر الحرم؛ لأنها أشهر أمن، قال الله ـ تعالى ـ: " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس و الشهر الحرام " الآية. فكانوا يقضون الأشهر الحرم على إحن من تطلب الثارات و الغزوات، و تشتت حاجتهم في تلك الأشهر، فإذا جاء صفر بادر كل من في نفسه حنق على عدوه فثاوره، فيكثر القتل و القتال، و لذلك قيل: إنه سمي صفرا؛ لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوه صفرا من المتاع و المال، أي خلواً منهما [8].
قال الذبياني يحذر قومه من التعرض لبلاد النعمان بن الحارث ملك الشام في شهر صفر:
لقد نهيت بني ذبيان عن أُقر ** و عن تربعهم في كل أصفار
و لذلك كان من يريد العمرة منهم لا يعتمر في صفر إذ لا يأمن على نفسه، فكان من قواعدهم في العمرة أن يقولوا: " إذا برأ الدبر و عفا الأثر و انسلخ صفر؛ حلت العمرة لمن اعتمر " على أحد تفسيرين في المراد من صفر و هو التأويل الظاهر. و قيل: أرادوا به شهر المحرم، و أنه كان في الجاهلية يسمى صفر الأول، و أن تسميته محرما من اصطلاح الإسلام، و قد ذهب إلى هذا بعض أئمة اللغة [9]، و أحسب أنه اشتباه، لأن تغيير الأسماء في الأمور العامة يدخل على الناس تلبيسا لا يقصده الشارع، ألا ترى أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لما خطب حجة الوداع فقال: " أي شهر هذا؟ "، قال الراوي: فسكتنا حتى طننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: " أليس ذا الحجة؟ "، ثم ذكر في أثناء الخطبة الأشهر الحرم، فقال: ذو القعدة، و ذو الحجة، و المحرم، و رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان. فلو كان اسم المحرم اسما جديدا؛ لوضحه للحاضرين الواردين من الآفاق القاصية. على أن حادثا مثل هذا لو حدث؛ لتناقله الناس، و إنما كانوا يطلقون عليه و صفر لفظ " الصفرين" تغليبا.
فنهى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن التشاؤم بصفر .. )).
ـ ثم ذكر حديث الباب، و قال بعد ذلك ـ:
((و قد اختلف العلماء في المراد من صفر في هذا الحديث، فقيل: أراد الشهر، و هو الصحيح وبه قال مالك و أبو عبيدة معمر بن المثنى، و قيل: أراد مرضا في البطن سمي الصفر؛ كانت العرب يعتقدونه معديا، و به قال ابن وهب و مطرف و أبو عبيد القاسم بن سلام، و فيه بعد؛ لأن قوله: " لا عدوى " يغني عن قوله: " و لا صفر ".
و على أنه أراد الشهر فقيل: أراد إبطال النسيء، و قيل: أراد إبطال التشاؤم بشهر صفر، و هذا الأخير هو الظاهر عندي.
و وجه الدلالة فيه أنه قد علم من استعمال العرب أنه إذا نفي اسم الجنس و لم يذكر الخبر أن يقدر الخبر بما يدل عليه المقام، فالمعنى هنا: لا صفر مشؤوم، إذ هذا الوصف هو الوصف الذي يختص به صفر من بين الأشهر، و هكذا يقدر لكل منفي في هذا الحديث على اختلاف رواياته بما يناسب معتقد أهل الجاهلية فيه.
¥