و الأزمنة لا دخل لها في التأثير و في تقدير الله ـ عز وجل ـ؛ فصفر كغيره من الأزمنة يقدَّر فيه الخير و الشر، و بعض الناس إذا انتهى من شيء في صفر أرَّخ ذلك و قال: انتهى في صفر الخير، و هذا من باب مداواة البدعة ببدعة، و الجهل بالجهل؛ فهو ليس شهر خير، و لا شهر شر.
أما شهر رمضان، و قولنا: إنه شهر خير؛ فالمراد بالخير العبادة، و لا شك أنه شهر خير، و قولهم: رجب المعظم؛ بناءً على أنه من الأشهر الحرم. و لهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيرا إن شاء الله، فلا يقال: خير و لا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور)) اهـ.
6 - قال الشيخ العلامة المتفنن بكر بن عبد الله أبو زيد (ت 1429هـ) ـ رحمه الله ـ في كتابه (معجم المناهي اللفظية ص339 - 340):
((و في معنى " لا صفر " أقوال ثلاثة:
أنه داء في البطن يعدي؛ و لهذا فهو من باب عطف الخاص " و لا صفر " على العام " لا عدوى ".
أو أنه نهي عن النَّسَأ، الذي كانت تعمله العرب في جاهليتها و ذلك حينما يريدون استباحة الأشهر الحرم فإنهم يؤخرونه إلى شهر صفر.
و الثالث: أنه شهر صفر؛ إذ كانت العرب تتشاءم به. و لهذا نعته بعض بقوله: " صفر الخير " منابذةً لما كانت تعتقده العرب في جاهليتها ...
و بعض يقول: " صفر الخير " تفاؤلاً يرد ما يقع في نفسه من اعتقاد التشاؤم فيه، و هذه لوثة جاهليةٌ من نفس لم يصقلها التوحيد بنوره)).
ثمَّ قال ـ رحمه الله ـ (ص658 / فوائد في الألفاظ):
((للعرب مواسم في الشهور و الأيام في بعضها التشاؤم، وفي بعضها التيامن و التفاؤل بها منها:
شهر صفر وكان لهم فيه نوع تشاؤم، فكان يلقَّب بشهر صفر الخير؛ منابذةً للجاهلية في اعتقادها. فكان يتسمَّح في هذا الفظ لمنابذة الاعتقاد و التشاؤم.
و الإسلام محى هذه، و ثبَّت الاعتقاد و الإيمان، و محى معالم التعلُّق بغيره)) اهـ.
7 - قال معالي الشيخ العلامة صالح آل الشيخ ـ وفقه المولى ـ في إحدى خطبه: ((ذهب أكثر أهل العلم إلى أن معنى قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " ولا صفر " يعني لا تشاؤم بصفر و هو الشهر المعروف الذي نستقبل أيامه.
ثم لما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " لا صفر "؛ دلنا على إبطال كل ما كانت تعتقده الجاهلية في شهر صفر، فإنهم كانوا يتشاءمون بصفر و يعتقدون أنه شهر فيه حلول المكاره و حلول المصائب، فلا يتزوج من أراد الزواج في شهر صفر لاعتقاده أنه لا يوفق، و من أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر لاعتقاده أنه لا يربح، و من أراد التحرك والمضي في شئونه البعيدة عن بلده فإنه لا يذهب في ذلك الشهر لاعتقاده أنه شهر تحصل فيه المكاره و الموبقات، و لهذا أبطل ـ عليه الصلاة و السلام ـ هذا الاعتقاد الزائف فشهر صفر شهر من أشهر الله، و زمان من أزمنة الله؛ لا يحصل الأمر فيه إلا بقضاء الله و قدره، ولم يختص الله ـ جل و علا ـ هذا الشهر بوقوع مكاره و لا بوقوع مصائب، بل حصلت في هذا الشهر في تاريخ المسلمين فتوحات كبرى و حصل للمؤمنين فيه مكاسب كبيرة يعلمها من يعلمها، و لهذا يجب علينا أن ننتبه لهذه الأصول التي مردها إلى الاعتقاد، فإن التشاؤم بالأزمنة و التشاؤم بالأشهر و ببعض الأيام أمر يبطله الإسلام، لأننا يجب علينا أن نعتقد الاعتقاد الصحيح المبَّرأ من كل ما كان عليه أهل الجاهلية، و قد بين ذلك ـ عليه الصلاة و السلام ـ في أحاديث كثيرة ضرورة تخلص القلب من ظن السوء بربه و من الاعتقاد السيئ في الأمكنة أو في الأشهر و الأزمنة، كما أن بعض الناس يعتقد أن يوم الأربعاء يوم يحصل فيه ما يحصل من السوء، و ربما صرفهم ذلك عن أن يمضوا في شئونهم.
و لهذا ينبغي علينا أيها المؤمنون أن ننبه إلى هذه الأصول و إلى الاعتقاد الصحيح و أن لا يدخل علينا اعتقادات باطلة و لا تشاؤم بأزمنة و لا بأمكنة، لأن هذا مخالف لما أمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ و للاعتقاد الناصع السليم الذي جاء به دين الإسلام)) اهـ عن (موقع المنبر).
¥