8 - قال الشيخ الأمين الحاج محمد ـ حفظه الله ـ في مقال له بعنوان (مرحبا بصفر الخير!!): ((بمناسبة حلول صفر الخير [11]، أحببت أن أحذر إخواني المسلمين من صنيع الجاهليين، و اعتقاد المشعوذين، و أوهام المنجمين و الدجالين، و ادعاءات الكذابين، و أذكرهم بسلوك المؤمنين الموحدين الموقنين؛ بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، و ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، عملا بقول الناصح الأمين و الرسول الكريم، و من قبل قال ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا "، و قال في الحديث القدسي: " و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، و لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك "، أو كما قال)).
ثم ذكر حديث الباب، و قال: ((ذهب أهل العلم في تفسير ذلك مذاهب، هي:
أ- ذهب كثير منهم إلى أن المراد بصفر هو داء في البطن بسبب دود كبار كالحيات، و كانوا يعتقدون أنه معدٍ، و ممن ذهب إلى ذلك سفيان بن عيينة و الإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ.
و يرد على ذلك أنه لو كان كذلك لكان داخلا في قوله: " لا عدوى "، و قد يقال: إنه من باب عطف الخاص على العام.
ب- أن المراد بصفر شهر صفر، الذي يسميه العوام في السودان " الويحيد "، ثم اختلفوا في تفسيره على قولين:
أحدهما: أن المراد نفي ما كان الجاهليون يفعلونه في النسيء، فكانوا يحلون المحرم، و يحرمون صفر مكانه، و هذا قول مالك ـ رحمه الله ـ.
و الثاني: أن المراد أن الجاهليين كانوا يتشاءمون بصفر، و يقولون: إنه شهر مشؤوم.
و الذي يترجح لدي أن هذا التفسير هو المراد؛ لأن الجاهليين كانوا يتشاءمون به، و لا يزال البعض يتشاءم به إلى يومنا هذا، بحيث: لا يتزوجون فيه، و لا يسافرون فيه، و لا يحاربون فيه.
و قد أبطل الله كل ذلك على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ج- الصفر وجع في البطن بسبب الجوع، و من اجتماع الماء الذي يكون من الاستسقاء)) اهـ عن (موقع الدين النصيحة).
لا تقل: (صفر الخير)
بعد هذه الجولة العلمية في رحاب أقوال أهل العلم، والتي ازددنا منها علما و فهما و بصيرة في مسألة مهمة من مسائل التوحيد، لا يخفى عليك أن مسألة الطيرة و التشاؤم مسألة طويلة الذيل عظيمة النيل ليس هذا موضع بسطها، فانظرها في شروح (كتاب التوحيد) حرصا على تحقيق التوحيد، و تخليصه من أن تشوبه شائبة من شوائب الشرك ـ عياذا بالله ـ.
و تنبَّه ـ أخي الصفي ـ أنه يتعين علينا اجتناب التعبير بـ: " صفر الخير "؛ لأن الباطل لا يرد بباطل آخر، فصفر ـ كما مرَّ معنا ـ كغيره من الشهور لا يقال فيه: صفر الشر و لا صفر الخير، و من جهة أخرى هو من الفضول في الكلام، و من التطويل الذي لا طائل تحته، و لا هو مأثور عن السلف الصالح. و مثله أو قريب منه قولهم: " رجب الأصم "؛ لأنه لا تُسمع فيه قعقعة السلاح للقتال، أو " رجب الفرد "؛ لأنه شهر حرام فرد بين أشهر حلال [12].
قال الشيخ إبراهيم الحقيل في خطبة له عن (التشاؤم بصفر): ((و ليس من العلاج الصحيح مداواة البدعة ببدعة أخرى، كما يفعله بعض الناس ردا على التشاؤم بشهر صفر؛ فإذا أخبر عن شيء حصل في شهر صفر، قال: حدث في صفر الخير، أو أرَّخ تاريخا قال: انتهى في صفر الخير، و نحو ذلك؛ فإن شهر صفر لا يوصف لا بالخير و لا بالشر فهو ظرف لما يقع فيه، و ليس له تأثير فيما يقع فيه سواء كان خيرا أم شرا؛ و لهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيرا إن شاء الله، فلا يقال: خير و لا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور)) اهـ عن (موقع الألوكة).
و في الأخير تذكر ـ أخي المحب ـ أن (التشاؤم و التطير من الصفات الذميمة، و الأخلاق اللئيمة، و لا يصدر إلا من النفوس المستكينة، لمنافاة ذلك للتوكل و اليقين، فهو من سمات الكسالى و البطالين، و لهذا نهى الإسلام أتباعه عن التشاؤم و التطير، و كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب التفاؤل لما يبعثه في النفس من الأمل و الاطمئنان، و يكره التشاؤم لما يحدثه في النفس من الاستكانة، و الضعف و العجز و الهوان) [13].
¥