ب ــ وقال أبو عمر بن عبدالبر (وقال محمد بن الحسن: العلم على أربعة أوجه ماكان في كتاب الله الناطق وماأشبهه، وماكان في سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المأثورة وماأشبهها، وماكان فيما أجمع عليه الصحابة رحمهم الله وماأشبه، وكذلك مااختلفوا فيه لايخرج عن جميعه، فإن أوقع الاختيار فيه على قول فهو علم تقيس عليه ماأشبه، وماأستحسنه عامة فقهاء المسلمين وماأشبهه وكان نظيراً له قال: ولا يخرج العلم عن هذه الوجوه الأربعة. قال أبو عمر: قول محمد بن الحسن وماأشبهه يعني ماأشبه الكتاب وكذلك قوله في السنة وإجماع الصحابة يعني ماأشبه ذلك كله فهو القياس المختلف فيه الأحكام وكذلك قول الشافعي أو كان في معنى الكتاب والسنة هو نحو قول محمد بن الحسن ومراده من ذلك القياس عليها وليس هذا موضع القول في القياس وسنفرد لذلك بابا كافيا في كتابنا هذا إن شاء الله. وانكار العلماء للاستحسان أكثر من انكارهم للقياس وليس هذا موضع بيان ذلك.) (المصدر السابق).
فهذه هى الأدلة الشرعية المتفق عليها عند جمهور أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهى الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع المعتبر والقياس على النص والإجماع (مجموع الفتاوى) 11/ 339 ــ 341. وهذه الأدلة هى المقصودة بالحجة في قول العلماء في حد التقليد (هو قبول قول ٍ بلا حجة).
3 ــ التقليد ليس علما:
إذا كان التقليد هو (قبول قول بلا حجة) فهو ليس علما، لأن العلم هو ماثبت بالحجة، قال تعالى (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون) يونس 68، فدلت الآية على أن من تكلم بسلطانٍ فقد تكلم بعلم وأن من تكلم بغير سلطان فقد قال بغير علم، والسلطان: الحجة كما سبق. وقال ابن تيمية (العلم ماقام عليه الدليل) (مجموع الفتاوي) 13/ 136. فإذا كان التقليد هو قبول قول ليس عليه حجة ولادليل، فليس هو بعلمٍ، وهذا لاخلاف عليه بين العلماء سواء منهم من أوجب التقليد أو حَرَّمه.
أ ــ قال ابن عبدالبر (قال أهل العلم والنظر: حد العلم: التَّبيُّن وإدراك المعلوم على ماهو به، فمن بان له الشئ فقد علمه.، والمقلِّد لا علم له، ولم يختلفوا في ذلك) (جامع بيان العلم) 2/ 117.
ب ــ وقال أبو حامد الغزالي (التقليد هو قبول قول ٍ بلا حجة، وليس ذلك طريقاً إلى العلم لافي الأصول ولافي الفروع) (المستصفى) 2/ 387.
جـ ــ وقال القاضي عبدالوهاب المالكي (التقليد لايُثمر علماً، فالقول به ساقط، وهذا الذي قلناه قول كافة أهل العلم) نقله السيوطي في (الرد على من أخلد إلى الأرض) صـ 126.
د ــ وقال ابن القيم رحمه الله (التقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم) (اعلام الموقعين) 2/ 169، ومثله في (اعلام الموقعين) 1/ 45.
وفي الجملة فالمقلد قد قَبِل قولاً من غير علم بصحته من فساده.
ومن هنا نشأ الخلاف بين أهل العلم في جواز العمل بالتقليد، سواء في الإفتاء أو الاستفتاء.
فالمفتي المقلد، يفتي بالتقليد أي بغير علم، وهذا محرم لقوله تعالى (قل إنما حرَّم ربي ــ إلى قوله ــ وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) الأعراف 33.
والمستفتي المقلد، قَبِل قولاً وعمل به بغير علم، وهذا محرم لقوله تعالى (ولاتقف ماليس لك به علم) الإسراء 36، أي لاتتبع ماليس لك به علم، وقد أسهبنا في أول الباب الثاني في بيان وجوب العلم قبل القول والعمل.
وسوف نذكر فيما يأتي أقوال العلماء من أجاز التقليد منهم ومن منع منه.
ثانيا: تعريف الاتباع
قد سبق تعريفه، وملخصه أنه اتباع القول الذي شهد الدليل بصحته، فيكون المتبع عاملا بعلم وعلى بصيرة بصحة مايعمل به ويكون متبعاً للدليل الشرعي.
قال تعالى (اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء) الأعراف 3.
وقال تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام 155.
وقال تعالى (اتبع ماأوحي إليك من ربك) الأنعام 106، وقال تعالى (قل إنما اتبع مايوحى إلي من ربي) الأعراف 203.
فالعمل بالوحي من الكتاب والسنة هو الاتباع كما دلت عليه هذه الآيات.
قال ابن عبدالبر (الاتباع: هو أن تتبع القائل على مابان لك من فضل قوله وصحة مذهبه. والتقليد: أن تقول بقوله وأنت لاتعرفه ولا وجه القول ولا معناه) (جامع بيان العلم) 2/ 37.
¥