تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ابطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، فقلد آخر في مسئلة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه: وقال الله جل وعز (وماكان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم مايتقون) وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا وفي ثبوته إبطال التقليد أيضا فإذا بطل التقليد بكل ماذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها وهى الكتاب والسنة أو ماكان في معناهما بدليل جامع بين ذلك. ــ ثم ذكر ابن عبدالبر بعض الآثار في ذم التقليد والنهي عنه، إلى أن قال ــ وهذا كله لغير العامة فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها لأنها لاتتبين موقع الحجة ولاتصل بعدم الفهم إلى علم ذلك لأن العلم درجات لاسبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم. ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله عزوجل (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) وأجمعوا على أن الأعمى لابد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لاعلم له ولا بصر بمعنى مايدين به لابد له من تقليد عالمه. وكذلك لم يختلف العلماء ان العامة لايجوز لها الفتيا وذلك والله أعلم لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم) (جامع بيان العلم) جـ 2 صـ 109 ـ 115.

وبهذا ترى أن ابن عبدالبر بعدما بيّن فساد التقليد وخطره عاد فنقض ماأسسه إذ أجاز التقليد للعامة وهم أكثر الأمة، وكأنه يحظر التقليد على المفتين فقط. ولم يوافقه من يأت ذكرهم على توسّعه في إجازة التقليد للعامة وإنما قصروه على حال الضرورة كما سيأتي في كلام ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي وهو الذي نراه صوابا والله أعلم. كما رد الفُلاّني دعوى ابن عبدالبر الإجماع على جواز التقليد للعامة، فقال (وقال الحافظ أبو عمر بن عبدالبر: ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله عزوجل (فاسئلوا أهل الذكر) الخ، فيه نظر، فإن دعوى الإجماع فيه غير مُسَلم فقد نقل الأصفهاني في تفسيره عن الإمام ابن دقيق العيد ماملخصه أن اجتهاد العامي عند من قال به من العلماء هو أنه إذا سئل في هذه الأعصار التي غلب فيها الفتوى بالاختيارات البشرية غير المعصومة بل المختلفة المتضادة أن يقول للمفتي هكذا أمر الله تعالى ورسوله فإن قال نعم أخذ بقوله ولم يلزمه أكثر من هذا البحث ــ إلى قوله ــ ومن تأمل أقوال السلف والأئمة الأربعة في الحث على أن لايستفتي إلا العالم بالكتاب والسنة عرف مصداق ماذكرناه) إلى آخر مانقله الفلاني وقد ذكرناه من قبل (ايقاظ همم أولي الأبصار) صـ 39.

2 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال:

(وكذلك المسائل الفروعية: من غالية المتكلمين والمتفقهة من يوجب النظر والاجتهاد فيها على كل أحد، حتى على العامة! وهذا ضعيف، لأنه لو كان طلب علمها واجباً علي الأعيان فإنما يجب مع القدرة، والقدرة على معرفتها من الأدلة المفصلة تتعذر أو تتعسر على أكثر العامة.

وبازائهم من أتباع المذاهب من يوجب التقليد فيها على جميع من بعد الأئمة: علمائهم. وعوامهم.

ومن هؤلاء من يوجب التقليد بعد عصر أبي حنيفة ومالك مطلقاً ثم هل يجب على كل واحد اتباع شخص معين من الأئمة يقلده في عزائمه ورخصه؟ على وجهين. وهذان الوجهان ذكرهما أصحاب أحمد والشافعي، لكن هل يجب على العامي ذلك؟

والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائر في الجملة، لايوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولايوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد. فأما القادر على الاجتهاد فهل يجوز له التقليد؟ هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد: إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير