تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالماء.

وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزي والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز، وقد يكون الرجل قادراً في بعض عاجزاً في بعض، لكن القدرة على الاجتهاد لاتكون إلا بحصول علوم تفيد معرفة المطلوب، فأما مسألة واحدة من فن فيبعد الاجتهاد فيها، والله سبحانه أعلم.) (مجموع الفتاوى) 20/ 203 ــ 204.

وقال ابن تيمية أيضا (وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل مايقولونه، وذلك هو الواجب عليهم، فقال أبو حنيفة: هذا رأيي وهذا أحسن مارأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه، ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه أبو يوسف بمالك فسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضروات، ومسألة الأجناس، فأخبره مالك بما تدل عليه السنة في ذلك، فقال: رجعت إلى قولك ياأباعبدالله، ولو رأي صاحبي ما رأيت لرجع إلى قولك كما رجعت.

ومالك كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، أو كلاما هذا معناه.

والشافعي كان يقول: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهى قولي. وفي مختصر المزني لما ذكر أنه اختصره من مذهب الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه قال: مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء.

والإمام أحمد كان يقول: لاتقلدوني ولاتقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري، وتعلموا كما تعلمنا. وكان يقول: من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال، وقال: لاتقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»، ولازم ذلك أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً، فيكون التفقه في الدين فرضا. والتفقه في الدين: معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية. فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقها في الدين، لكن من الناس من قد يعجز عن معرفة الأدلة التفصيلية في جميع أموره، فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته لا كل ما يعجز عنه من التفقه، ويلزمه مايقدر عليه. وأما القادر على الاستدلال، فقيل: يحرم عليه التقليد مطلقاً، وقيل: يجوز مطلقاً، وقيل: يجوز عند الحاجة، كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال، وهذا القول أعدل الأقوال.) (مجموع الفتاوى) 20/ 211 ــ 212.

فهذا ابن تيمية رحمه الله قد قصر جواز التقليد على العاجز عن الاستدلال، وليس هذا حال جميع العامة، كما أن من أوجب الاتباع ــ كابن حزم والشوكاني ــ لم يوجب الاستدلال والاجتهاد على الجميع، فتأمل هذا الفرق بين الاتباع والاجتهاد، وأن أدنى مايحتاط المرء به لدينه في الاتباع هو أن يسأل المفتي أهكذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قال نعم، قبل منه.

3 ــأما ابن القيم رحمه الله فقد أشرنا من قبل إلى رده على المقلدة وإبطاله لحججهم، ومع هذا فقد قال إن التقليد إنما يباح للضرورة، فقال في الرد على أنصار التقليد (إن مَن ذكرتم مِن الأئمة لم يقلدوا تقليدكم، ولا سوّغوه بتَّة، بل غاية مانقل عنهم من التقليد في مسائل يسيرة لم يظفروا فيها بنص عن الله ورسوله، ولم يجدوا فيها سوى قول مَنْ هو أعلم منهم فقلدوه، وهذا فعل أهل العلم، وهو الواجب، فإن التقليد إنما يباح للمضطر، وأما من عَدَلَ عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل مع تمكنه منه إلى التقليد فهو كمن عَدَل إلى المَيْتَة مع قُدْرته على المُذَكَّي، فإن الأصل أن لايقبل قول الغير إلا بدليل إلا عند الضرورة، فجعلتم أنتم حال الضرورة رأس أموالكم.) (اعلام الموقعين) 2/ 241.

وقال ابن القيم أيضا (وأما تقليد من بذل جَهْده في اتباع ماأنزل الله وخفي عليه بعضه فقلّد فيه من هو أعلم منه، فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور) (اعلام الموقعين) 2/ 169.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير