تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 ــ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، في تفسير قول الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها) من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، قال رحمه الله (اعلم أن قول بعض متأخري الأصوليين: إن تدبر هذا القرآن العظيم، وتفهمه والعمل به. لايجوز إلا للمجتهدين خاصة، وأن كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق بشروطه المقررة عندهم التي لم يستند اشتراط كثير منها إلى دليل من كتاب ولاسنة ولا إجماع ولاقياس جلي، ولاأثر عن الصحابة، قول لامستند له من دليل شرعي أصلا.

بل الحق لاشك فيه، أن كل من له قدرة من المسلمين، على التعلم والتفهم، وإدراك معاني الكتاب والسنة، يجب عليه تعلمهما، والعمل بما علم منهما.

أما العمل بهما مع الجهل بما يعمل به منهما فممنوع إجماعاً.

وأما ما علمه منهما علماً صحيحاً ناشئاً عن تعلم صحيح، فله أن يعمل به، ولو آية واحدة أو حديثاً واحداً.

ومعلوم أن هذا الذم والإنكار على من لم يتدبر كتاب الله عام لجميع الناس.

ومما يوضح ذلك أن المخاطبين الأولين به الذين نزل فيهم هم المنافقون والكفار، ليس أحد منهم مستكملا لشروط الاجتهاد المقررة عند أهل الأصول، بل ليس عندهم شيء منها أصلا. فلو كان القرآن لا يجوز أن ينتفع بالعمل به، والاهتداء بهديه إلا المجتهدون بالاصطلاح الأصولي لما وبّخ الله الكفار وأنكر عليهم عدم الاهتداء بهداه، ولما أقام عليهم الحجة به حتى يحصلوا شروط الاجتهاد المقررة عند متأخري الأصوليين، كما ترى.

ومعلوم أن من المقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، وإذاً فدخول الكفار والمنافقين، في الآيات المذكورة قطعي، ولو كان لايصح الانتفاع بهدي القرآن إلا لخصوص المجتهدين لما أنكر الله على الكفار عدم تدبرهم كتاب الله، وعدم عملهم به.

وقد علمت أن الواقع خلاف ذلك قطعاً، ولايخفى أن شروط الاجتهاد لاتشترط إلا فيما فيه مجال للاجتهاد، والأمور المنصوصة في نصوص صحيحة، من الكتاب والسنة، لايجوز الاجتهاد فيها لأحد، حتى تشترط فيها شروط الاجتهاد، بل ليس فيها إلا الاتباع. ــ إلى أن قال ــ ومن المعلوم، أنه لايصح تخصيص عمومات الكتاب والسنة، إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

ومن المعلوم أيضا، أن عمومات الآيات والأحاديث، الدالة على حث جميع الناس، على العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، أكثر من أن تحصى، كقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ماإن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي» وقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي» الحديث. ونحو ذلك مما لا يحصى.

فتخصيص جميع تلك النصوص، بخصوص المجتهدين وتحريم الانتفاع بهدي الكتاب والسنة على غيرهم، تحريماً باتا يحتاج إلي دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولايصح تخصيص تلك النصوص بآراء جماعات من المتأخرين المقرين على أنفسهم بأنهم من المقلدين) (أضواء البيان) 7/ 430 ــ 431. وقد أضفت لكلامه حرف (لم) في قوله (ومعلوم أن هذا الذم والإنكار على من يتدبر كتاب الله) إذ لايستقيم الكلام إلا بإضافة لم (على من لم يتدبر).

وقال الشنقيطي أيضا (وإن كان قصدهم أن تعلمهما صعب لايقدر عليه، فهم أيضا زعم باطل، لأن تعلم الكتاب والسنة، أيسر من تعلم مسائل الآراء والاجتهاد المنتشرة، مع كونها في غاية التعقيد والكثرة، والله جل وعلا يقول في سورة القمر مرات متعددة: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر). ويقول تعالى في الدخان: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون). ويقول في مريم: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لداً). فهو كتاب ميسر، بتيسير الله، لمن وفقه الله للعمل به) (أضواء البيان) 7/ 435.

ثم تكلم الشنقيطي فيما يجوز من التقليد فقال: (أما التقليد الجائز الذي لايكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالماً أهلا للفتيا في نازلة ٍ نزلت به، وهذا النوع من التقليد كان شائعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولاخلاف فيه.

فقد كان العامي، يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن حكم النازلة تنزل به فيفتيه فيعمل بفتياه.

وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولا بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بفتياه.) (أضواء البيان) 7/ 487.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير