السؤال: (7558) فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: أرجو من فضيلتكم أن تتفضلوا بالنظر في سؤالي هذا وتجيبوا عنه: أنا رجل مسلم، عملت لسنوات مضت في مهنة المحاماة، فلما منّ الله -سبحانه وتعالى- علي بمعرفة سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة التوحيد وعقيدة أهل السنة، ساورني الشك حول مهنة المحاماة التي أعمل بها؛ لأن هذه المهنة تلزمني بالتحاكم إلى قوانين مخالفة في أغلبها لشريعة رب البرية -جل وعلا-، ولكن صعب علي فراق مهنتي بسبب ظروف العيش القاسية وما تقتضيه، وأنا أستنصح فضيلتكم فيما ينبغي علي عمله بعد أن أطلعكم على المعطيات التالية:
1 ـ إن القوانين الوضعية المعمول بها في المحاكم بهذه البلاد، ليست كلها مخالفة للشرع، فإن كثيراً من أحكام الأحوال الشخصية وأحكام المعاملات التجارية والعقارية موافقة للكتاب والسنة أو على الأقل موافقة للمشهور من مذهب الإمام مالك.
2 ـ إن كثيراً من القوانين المتعلق بتطبيق المسطرات الإدارية ليس فيها تعارض صريح مع ما جاء في الشرع الحنيف.
3 ـ إن كثيراً من الحالات التي تعرض للمسلمين هنا لا يمكن لهم أن يستوفوا حقهم فيها بوجه شرعي، ولا يستوفونه إلا بالالتجاء إلى المحاكم القانونية، مثل: تعويضات حوادث السير، ودفع اعتداءات الغير.
4 – إن عمل المحاماة يجعلني أحياناً أنفع إخواني المسلمين إما في الدفاع عنهم، أو في مساندتهم لتحصيل حقهم القانوني في الدعوة، وبخاصة للجمعيات التي تعمل على وفق الكتاب والسنة ومنهج السلف.
فهل يسوغ لي الاستمرار في هذه المهنة، إن أنا حرصت على العمل لتحصيل المصالح السالفة، مع البعد عن كل الحالات المشتبهة؟ وهل يجوز لي الالتجاء إلى القوانين المخالفة للشريعة كلما تعذر تحصيل حق موكلي بطريق شرعي؟ وإذا كان الجواب في كل هذا بالمنع، فما القول في المال الذي حصلته فيما مضى من هذه المهنة، بما في ذلك البيت الذي أسكن فيه؟
أفتوني مأجورين، وجزاكم الله عني كل خير.
أجاب عن السؤال الشيخ/ محمد بن إبراهيم بن علي الغامدي (عضو هيئة التدريس في جامعة الملك خالد).
الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن المحاماة نوع وكالة إذ هي وكالة في الخصومة، والوكالة الأصل فيها الجواز، بشرط ألاّ يترافع إلا عمن علمه محقاً، فإنها حينئذ من التعاون على البر والتقوى، وقد قال الله –تعالى-:" وتعانوا على البر والتقوى"، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم –:"والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه"، وعلى هذا يتعين على المحامي قبل أن يدخل في قضية أن يدرسها فإن علم أن طالب المحاماة محق دخل فيها بقصد أخذ الحق له، أما إن علم كونه مبطلاً، فقد أفتى بعض أهل العلم بجواز دخوله فيها لكن لا ليبرئه ويجعله يستمر في باطله، بل ليأخذ الحق منه ويرده عن باطله؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قال: يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً، فقال:" تمنعه من ظلمه فذلك نصرك إياه" -أو كما قال عليه الصلاة والسلام-، ولذا يجب على المحامي إذا تبين له ظلم موكله أن ينصحه بعدم الاستمرار في دعواه فإن أصر فيكون عمل المحامي إظهار باطله ورد الحق إلى مستحقه، وما يأخذه من الأجر حينئذ فهو حلال له وليس فيه عليه حرج.
وأما الترافع إلى القوانين الوضعية كما هو حاصل في كثير من بلاد المسلمين ودعوى أنها مأخوذة من الكتاب والسنة والمشهور من قولي المالكية فإن كانت هذه الأحكام يستدل لها بالكتاب والسنة وأدلة التشريع الأخرى المعروفة في أصول الفقه فلا يضرها تسميتها قوانين، وإن كان يقال قال المشرع الفرنسي، أو الألماني، أو نحو ذلك، فما ينفعها أن قيل إنها موافقة للكتاب والسنة، إذ إن واضعيها لم يقصدوا موافقتها للكتاب والسنة، ولا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله إذا كان الحاكم يعتقد أنه الأفضل أن ذلك كفر يقول الله -عز وجل-:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".
وقال -عز وجل-:" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وحينئذ فهل يحل الترافع أمام هذه المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية؟
¥