=== وعلى نقيضهم الخوارج ومن على شاكلتهم: أخذوا بالنصوص المقيدة بأعمال وأمور معينة للإنتفاع في الآخرة (من العلم والإخلاص واليقين والخشية , والبراءة من الأصنام والطواغيت والمشركين , والباطل عمومآ) التي هي من أعمال القلوب فجعلوها مناط الحكم في الدنيا , فلم يحكموا بإسلام أحد إلا من ثبت عندهم أنه حقق هذه الشرائط (وهؤلاء هم الخوارج الذين كفروا المسلمين واستباحوا أموالهم ودمائهم فخرجوا عليهم , وأتباعهم من التكفيريين) ,
ونشأ عنهم قوم آخرون - هم كالمعتزلة مع الخوارج - لم يكفروا الناس جهارآ , وأيضآ لم يثبتوا لهم حكم الإسلام بما أتوا به من أعمال , وقالوا نتوقف فيهم حتى يتبين لنا حالهم أمسلمون هم أ كفار (وهؤلاء هم جماعة التوقف والتبين) ,
وهذا كله كما هو واضح أنهم أخطأوا في الإستدلال بالنصوص الشرعية , فمنهم من جعل أحكام الدنيا هي نفس أحكام الإنتفاع في الآخرة , ومنهم من جعل أحكام الإنتفاع و الفوز في الآخرة هي مناط الأحكام الدنيوية , وما سبب ذلك إلا الخلط في هذه المسألة ,
وأما أهل السنة فاتبعوا فوفقوا ,
فاذا فهمنا هذه المسألة إنحلت لنا إشكالات كثيرة واستطعنا بفضل الله تبارك وتعالى أن نفهم كلام المصيب كيف أصاب , وكلام المخطيء كيف أخطأ ومن أين أوتي.
وآلان ومن خلال فهمنا لهذه القاعدة - وهي التفريق بين ما هو من مناط الحكم في الدنيا وبين ما هو من مناط الإنتفاع في الآخرة -ننظر في كلام الإمام النووي رحمه الله الذي ذكره أخانا لكي نتبين من أين جاءه الخطأ , فنجزأه ونعلق عليه ,
نص كلامه المذكور (واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد فى النار لا يكون الا من اعتقد بقلبه دين الاسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ونطق بالشهادتين فان اقتصر على أحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا الا اذا عجز عن النطق لخلل فى لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك فانه يكون مؤمنا.).
= قوله (واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين) ,
قلت وهنا قد أدخل مع أهل السنة المتكلمون و سبق وبينّا أن المتكلمين ليسوا من أهل السنة ,
= قوله (على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد فى النار لا يكون الا من اعتقد بقلبه دين الاسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ونطق بالشهادتين).
قلت وهنا نجده قد جمع بين الأمرين - بين ما يعلّق عليه الحكم في الدنيا , وبين ما يعلّق عليه الفوز في الآخرة , نعم نسلم له أن من شروط الإنتفاع بالجنة في الآخرة أن يأتي المكلف بالشهادتين مع التصديق - مع أن هذا القدر لا يكفي كما سيأتي - , لكن كيف نسلم له أن من شروط إثبات الحكم بالإسلام في الدنيا أن يأتي المكلف بالتصديق , كيف ذلك ونحن وكل الناس جزمآ لا يستطيعون أن يشهدوا بذلك الأمر لأحد من الناس لأنه أمر باطن لا يعمه إلا الله جل وعلا , فعلى هذا لن نحكم لأحد بالاسلام لأننا لن نستطع إثبات هذا الشرط له.
ثانيآ وهو الأهم: أن كلامه هذا يخالف نصوص الشرع التي جاءت في الأمر بإثبات الأحكام على الأمور الظاهرة , كما سبق وبينّا ذلك.
ثالثآ: أن أهل السنة - الذين زعم أنه ينقل مذهبهم - قد أجمعوا على أن الإيمان إنما هو إعتقاد وقول وعمل , كما نقل ذلك الإمام الشافعي وحكاه غير واحد من أهل العلم , أى أنه لن ينجوا من النار إلا من حقق الإيمان بقلبه ولسانه وجوارحه , وهذا واضح في أنه في الآخرة.
أما في الدنيا فإنهم جعلوا الحكم بالإسلام مناط بالتكلم بالشهادتين فقط فبذلك يحكم له بالإسلام
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدآ رسول الله , فبذلك يصير الكافر مسلمآ والعدو وليآ والمباح الدم والمال معصوم الدم والمال ,
ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان , وإن قالها بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان.) , ذكره صاحب فتح المجيد صـ 106
¥