تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 94): والحاصل أنه قد ورد النهي عن مس الذكر باليمين في الحديث المتفق عليه، وورد النهي عن الاستنجاء باليمين في هذا الحديث- يعني حديث سلمان- فلا يجوز استعمال اليمين في أحد الأمرين، وإذا دعت الضرورة إلى الانتفاع بها في أحدهما استعملها قاضي الحاجة في أخف الأمرين اهـ.

وقال أيضا في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (1/ 195) عند قول صاحب الأزهار ضمن المحرمات (والانتفاع باليمنى): قول - أي الشوكاني-: الأحاديث مصرحة بالنهي عن ذلك، والنهي حقيقة في التحريم كما عرفت، ولم يرد ما يقتضي صرف ذلك عن معناه الحقيقي اهـ.

وقال أيضا في نيل الأوطار (1/ 79): وهو - أي التحريم - الحق، لأن النهي يقتضي التحريم، ولا صارف له، فلا وجه للحكم بالكراهة فقط اهـ.

قال ذلك ردا على الإمام النووي الذي قال في شرح مسلم (3/ 156): قد أجمع العلماء على أنه -أي الاستنجاء باليمين -منهي عنه، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام اهـ.

مسألة: هل التحريم يختص بمس الذكر عند البول وبالاستنجاء به؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين معروفين ليس هنا موضع تفصيلهما، لكن من قيد التحريم بما ذكر نظر إلى اتحاد مخرج الحديث الذي ورد مرة مطلقا ومرة مقيدا، وقد قيل إن الخلاف في حمل الطلق على المقيد إنما هو فيما لم يتحد مخرجه. واحتجوا أيضا بحديث طلق بن علي رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر هل يوجب الوضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هو بضعة منك" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وهوصحيح (رواه أبو داود (رقم 182 - 183) والترمذي (رقم 85) والنسائي (1/ 101) وابن ماجه (رقم 64) وهو في صحيح أبي داود (رقم 167).

قالوا: فدل على الجواز في كل حال، وخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة.

وأما من قال بالتحريم مطلقا أي في غير حالة قضاء الحاجة، فلهم في بيان دليل التحريم مأخذان:

أولهما: ما عرف من الخلاف في حمل المطلق على المقيد، من غير تفريق بين اتحاد المخرج وعدمه، وهو خلاف مشهور في علم الأصول فليرجع إليه من شاء.

ثانيهما: أن التحريم في غير حالة البول من باب أولى، لأنه نهى عن ذلك في مظنة الحاجة في تلك الحالة، فيكون في غير وقت الحاجة ممنوعا من باب أولى وأحرى. ينظر معنى ذلك في فتح الباري (1/ 306).

وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 97) بعد حكاية القولين: وكلا الاستدلالين له وجه، والاحتمالان واردان، والأحوط أن يتجنب مسه مطلقا اهـ المراد منه.

تعليل النهي بصيانة اليمين و تكريمها

والمقصود أن النص صريح في تحريم مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة، وعن الاستنجاء بها، وقد علم من عرف الشرع أن الشمال تستعمل فيما سبيله الإهانة كالانتثار بعد الاستنشاق وغيره، وأن اليمين تستعمل في الطعام والشراب وما يتصل بمواضع التكريم من الجسد.

وقد علل هذا النهي بصيانة اليمين من مباشرة النجاسة ومن الاقتراب منها سدا للذريعة كما قال ابن أبي جمرة فيما حكاه الحافظ عنه في الفتح (1/ 306): وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطى حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة.

وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 97): وتعليل الكراهة: أنه من باب إكرام اليمين اهـ.

وقال العلامة عبيد الله المباركفوري في المرقاة (2/ 50) في شرح في حديث سلمان رضي الله عنه: وفيه دليل على تحريم الاستنجاء باليمين، لأنه الأصل في النهي، ولا صارف له فلا وجه للحكم بالكراهة فقط، وهذا تنبيه على شرف اليمين وصيانتها عن الأقذار اهـ.

يؤيده: أن من قال من العلماء بجواز الاستمناء مطلقا، أو بيد الزوجة فقط اشترط أن يكون باليد اليسرى لا اليمنى كما قال الشوكاني في بلوغ المنى (ص 65): "ويكون الممنوع منه الاستمناء باليمين لا باليسار" اهـ المراد منه وهو ما ذهب إليه ابن حزم في المحلى (11/ 392).

ويؤيده أيضا: ما جاء من حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم" كان يجعل يمينه لطعامه، ويجعل شماله لما سوى ذلك" (5).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير