أجيب: بأن العبرة بالغالب الأعم، وقد تقرر أن الغالب على الرجال فضلا عن النساء عند المباشرة خروج المذي، فإن وجد من لا يمذي من الرجال أو النساء، فهو من النادر الذي لا حكم له، وإنما تبنى الأحكام على الغالب كما تقرر في موضعه، ولأن الأحكام تشرع لعامة الناس.
وإن وجد من يمذي في وقت دون وقت: فالحكم القول بالتحريم لعدم القدرة على التمييز وقد يخرج المذي من غير إحساس بخروجها كما تقدم وهو شبيه باختلاط الماء بالبول مع الاستعناء وعدم الضرورة.
قال ابن قدامة في المغني (1/ 82) فيمن اشتبه عليه نجس وطاهر ما نصه:
" إنما خص حالة السفر - أي صاحب المتن – بهذه المسألة لأنها الحالة التي يجوز التيمم فيها ويعدم فيها الماء غالبا، وأراد – يعني صاحب المتن – إذا لم يجد ماء غير الإناءين المشتبهين، فإنه متى وجد ماء طهورا غيرهما توضأ به، ولم يجز التحري بغير خلاف اهـ
فمن أجاز الاجتهاد بين الإناءين – على ضعفه - فقياس قوله جواز ذلك لمن هذه صفته لا لكل الناس، ومن قال بالمنع من ذلك فقياس قوله التحريم.
اعتراض آخر مردود
وإن قيل: غاية ما في هذا الوجه تحريم الامتصاص بناء على التعريفات التي ذكرتموها إذ لم يرد فيها ذكر لمذي المرأة، وليس فيه تحريم اللحس؟
أجيب: بأن المرأة تمذي كذلك، وأن ما ذكر من النجاسة يستوي فيها مذي الرجال والنساء. قال النووي في المجموع (2/ 161) بعد تعريف المذي: ويشترك الرجل والمرأة فيه قال إمام الحرمين: وإذا هاجت المرأة خرج منها المذي، قال: وهو أغلب فيهن منه في الرجال اهـ.
وقال النفراوي المالكي في الفواكه الداني (1/ 112): وأما مذي المرأة فيكفيها غسل محل الأذى فقط اهـ.
وفي حاشية العدوي على كفاية الطالب (1/ 165) (تنبيه): عرفت حال الرجل، وأما المرأة إذا أمذت فإنها تغسل محل الأذى فقط اهـ.
وجاء في لسان العرب ما يدل على أن للمرأة مذيا حيث قال (15/ 173 مادة" قذى "): قذت المرأة تقذي إذا أرادت الفحل فألقت من مائها، يقال: كل فحل يمذي، وكل أنثى تقذي اهـ.
وذكر للأخطل في اللسان (15/ 274 مادة" مذى "):
تمذي إذا سخنت في قبل أذرعها وتدرئم إذا ما بلها المطر
وعلى ذلك جرى العلماء منهم: محمد كامل عويضة في جامع فقه النساء (ص15) وصاحب الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز (ص 18) والسيد سابق في فقه السنة (1/ 18) وغيرهم.
الوجه الخامس: ما قيل من نجاسة رطوبة فرج المرأة ودلالته على التحريم
وذلك أن جمعا غفيرا من العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين ذهبوا إلى أن إفرازات فرج المرأة ورطوبته نجس، إما كلها أو بعضها، ومفاد ذلك أنهم يقولون بتحريم لحس الرجل فرج المرأة تخريجا على قولهم في تحريم أكل النجاسة ومباشرتها على ما تقدم قريبا.
أقوال العلماء في حكم رطوبة فرج المرأة
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 390): واختلف في هذه المسالة، فقال بعض العلماء: إنها نجسة، وتنجس الثياب إذا أصابتها، وعللوا: بأن جميع ما خرج من السبيل فالأصل فيه النجاسة إلا ما قام الدليل على طهارته.
وفي هذا القول من الحرج والمشقة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، خصوصا من ابتلي به من النساء، لأن هذه الرطوبة ليست لكل امرأة، فبعض النساء عندها رطوبة بالغة تخرج وتسيل، وبعض النساء تكون عندها في أيام الحمل، ولا سيما الشهور الأخيرة، وبعض النساء لا تكون عندها أبدا.
وقال بعض العلماء: إنها طاهرة وهو المذهب، وعللوا: بأن الرجل يجامع أهله، ولا شك أن هذه الرطوبة سوف تعلق به، ومع ذلك لا يجب عليه أن يغسل ذكره، وهذا كالمجمع عليه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا عند الناس، ولا يقال: بأنها نجسة ويعفى عنها، لأننا إذا قلنا ذلك احتجنا إلى دليل على ذلك.
فإن قيل: إن الدليل المشقة، وربما يكون ذلك وتكون هي نجسة، ولكن للمشقة من التحرز عنها يعفى عن يسيرها كالدم وشبهه مما يشق التحرز منه.
ونحن نقول: للفرج مجريان:
الأول: مجرى مسلك الذكر، وهذا يتصل بالرحم، ولا علاقة له بمجاري البول، ولا بالمثاني، ويخرج من أسفل مجرى البول.
الثاني: مجرى البول، وهذا يتصل بالمثاني، ويخرج من أعلى الفرج.
¥