فإذا كانت هذه الرطوبة ناتجة عن استرخاء المثاني من مجرى البول فهي نجسة، وحكمها حكم سلس البول، وإذا كانت من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولا، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزم إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها اهـ المراد منه.
كذا قال الشيخ أنه لا دليل على النجاسة غير التعليلات التي ذكرها عن الفقهاء، لكن قال غيره من العلماء ما يدل على أن للنجاسة دليلا ظاهرا.
قال النووي في المجموع (2/ 224 مختصر الرافعي): رطوبة الفرج ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، ولهذا اختلف فيها، وللشافعي في هذه المسألة قولان: أحدهما: ذكره المصنف - أي الشيرازي صاحب المتن - وهو نجاسته، والآخر: هو القول بالطهارة، نقله صاحب الحاوي عنه وهو الأصح (1).
قال رحمه الله: ويستدل للنجاسة بحديث زيد بن خالد رضي الله عنه أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري (رقم 179،292) ومسلم (رقم 347)
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله: إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: " يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي" رواه البخاري (رقم 293) ومسلم (رقم 346).
وهذان الحديثان في جواز الصلاة بالوضوء بلا غسل منسوخان، وأما الأمر بغسل الذكر وما أصابه منها فثابت غير منسوخ، وهو ظاهر في الحكم بنجاسة رطوبة الفرج، والقائل الآخر يحمله على الاستحباب، لكن مطلق الأمر للوجوب عند جمهور الفقهاء والله أعلم اهـ
وقد سبقه إلى دلالة حديث أبي بن كعب على وجوب الغسل الحافظ ابن المنذر في الأوسط (2/ 76) فقال " ذكر إسقاط الاعتسال عمن جامع إذا لم ينزل، وإيجاب غسل ما مس المرأة منه اهـ ثم أورد حديث أبي بن كعب
وقد بوب البيهقي في سننه (2/ 411) لرطوبة فرج المرأة في كتاب الصلاة، باب الأنجاس فقال (باب رطوبة فرج المرأة) ثم أسند حديث أبي بن كعب المتقدم ثم قال عقيبه: فإنما نسخ منه ترك الغسل، فأما غسل ما أصابه من المرأة فلا نعلم شيئا نسخه اهـ.
وقال في عون المعبود (2/ 20) في باب الصلاة بالثوب الذي يصيب أهله فيه، عند ما روى الإمام أبو داود حديث أم حبيبة وكذا النسائي وجاء فيه (إذا لم ير فيه أذى) [رواه أبو داود (366) النسائي (1/ 155) وهو في صحيح أبي داود (رقم 352] قال: أي مستقذرا أو نجاسة، أي إذا لم ير في الثوب أثر المني أو المذي أو رطوبة فرج المرأة، ويستدل بهذا الحديث على نجاسة المني، قال الحافظ تحت حديث ميمونة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة وفيه (وغسل فرجه وما أصابه من أذى): وقوله- أي الحافظ - (وما أصابه من أذى) ليس بظاهر في النجاسة، وأبعد من استدل به على نجاسة المني، أو على رطوبة الفرج، لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة اهـ.
قلت – القائل صاحب العون-: قولها (من أذى) ظاهر في النجاسة لا غير، وما قال الحافظ ففيه ما لا يخفى اهـ.
قال أبو عبد الباري: ويؤيده أن استعمال لفظة (الأذى) قد جاء في غير موضع من الكتاب والسنة استعماله للأشياء النجسة، من ذلك:
- قوله تعالى ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ? فسمى الله تعالى الحيض أذى وهو نجس بالنص والإجماع.
- وما رواه أبو داود في سننه من حديث عائشة وأبي هريرة بلفظ " إذا وطئ الأذى أحدكم بنعله فإن التراب له طهور " (وهو في صحيح أبي داود (رقم 409، 413) وصحيح الجامع (رقم 833).
وفي لفظ للحاكم وأبي داود " إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب " (وهو في صحيح الجامع (رقم 834) وصحيح أبي داود (410).
وهذا الحديث بروايتيه دليل على أن الأذى يستعمل في النجاسة فلا وجه لقول الحافظ أن من استدل بلفظ الأذى على النجاسة أنه قد أبعد.
فتوى اللجنة الدائمة بنجاسة هذه الرطوبة
¥