تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبد الباري: هذا الذي قاله الحافظ من الاستدلال بأثر عائشة على الطهارة قال بعكسه البيهقي من قبل في سننه الكبرى (2/ 411) فاستدل بهذا الأثر على نجاسة رطوبة فرج المرأة، حيث أسند الأثر في باب رطوبة فرج المرأة من كتاب الصلاة، باب الأنجاس، أسنده من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة بلفظ " ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة، فإذا جامعها زوجها ناولته، فيمسح بها عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ".

وأسنده من طريق يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة بلفظ " إن المرأة تعد لزوجها خرقة فامتسح بها الأذى حتى لا يصيب الثوب فإذا فعل ذلك فليصل فيه اهـ.

قال أبو عبد الباري: محل النزاع بين الحافظ رحمه الله وغيره هنا هو: أن لفظ (الأذى) لا يدل على النجاسة عند الحافظ، وفي رواية ابن خزيمة التي أوردها الحافظ ما يدل على رفع الخبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير أن ذلك ينجسه، فهو صريح في عدم النجاسة.

أما الأول: وهو أن لفظ الأذى لا يدل على النجاسة فقد قدمنا قوله في حديث أم حبيبة قريبا مع رد العلامة شمس الحق الآبادي عليه في عون المعبود، وقدمنا هناك أن الصواب مع صاحب العون والله أعلم.

وأما الثاني: وهو ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (رقم 279) عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سقيان عن يحيى بن سعيد به.

فالجواب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أنه لا يصح أن يكون مرجع الضمير في لفظة " ولم ير " إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة الروايات الأخرى للأثر، وبيان ذلك كما يلي:

فقد روي الأثر عن القاسم بن عبد الرحمن عن عائشة من طريقين:

أولهما: عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه به باللفظ المتقدم.

رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم به. وسنده صحيح وليس فيه ذكر النجاسة.

ورواه الطحاوي في المعاني من طرق عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت في المني يصيب إذا أصاب الثوب: إذا رأيته فاغسله وإن لم تره فانضحه " اهـ (2).

ثانيهما: يحيى بن سعيد عن القاسم به.

وله عنه طريقان:

الأول: الليث بن سعد.

رواه البيهقي أن عائشة سئلت عن الثوب يجامع الرجل أهله هل يصلي فيه؟ قالت:" إن المرأة تعد لزوجها خرقة فامتسح بها الأذى حتى لا يصيب الثوب، فإذا فعل ذلك فليصل فيه " اهـ (رواه البيهقي (2/ 411).

الثاني: ابن عيينة.

واختلف عليه رحمه الله تعالى في لفظ الأثر فرواه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 191) بلفظ" أنها كانت لا ترى بعرق الجنب والحائض بأسا".

ورواه عمرو بن عون عند الدارمي (5/ 242رقم1119 مع فتح المنان) بلفظ " سئلت عن الرجل يصيب المرأة ثم يلبس الثوب فيعرق فيه فلم تر به بأسا ".

ورواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 178 رقم 750) من طريق الحجاج بن المنهال عنه به بلفظ " سئلت عن الجنب يعرق في الثوب أينجسه ذلك؟ قالت: لا ".

ورواه عنه عبد الرزاق في المصنف (1/ 366رقم1431) بلفظ "قد كانت المرأة إذا كان ذلك تعد خرقة أو الخرق فتمسح به ويمسح به يعني تصلي فيه".

ورواه عنه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عند ابن خزيمة (رقم279) باللفظ المتقدم.

تحقيق القول في أثر عائشة: رواية ودراية

هذه هي الروايات التي وقفت عليها وطرقها، وعند المقارنة فيما بينها يتضح أن الرفع غير صحيح وإنما هو موقوف، وهي رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه وهي أيضا رواية الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد، وإنما الاختلاف في رواية ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، وأكثر الرواة عنه وهم ابن أبي شيبة في مصنفه والحجاج بن المنهال عند ابن المنذر وعمرو بن عون عند الدارمي.

وخالفهم سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وعبد الرزاق فقالا عن ابن عيينة بما يوهم الرفع، ولا شك أن رواية الثلاثة الموافقة لرواية الليث بن سعد المتابع لابن عيينة، ورواية ابن القاسم المتابع ليحيى بن سعيد أولى من رواية عبد الرزاق والمخزومي عن ابن عيينة، فالصواب في هذا الأثر الوقف والله أعلم.

الوجه الثاني: أن كلام عائشة ينصب في غالب الروايات على عرق الجنب، وأنه لا ينجس بسبب اختلاطه بما قد يكون تبقى في المحل الممسوح منه أثر ما فاض بين الزوجين من المني وغيره، وهذا هو الذي فهم منه معظم من رواه من الأئمة، وعليها تبويباتهم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير