و فصله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20/ 220) فكان مما جاء فيه: وسئل شيخ الإسلام أن يشرح ما ذكره نجم الدين ابن حمدان: من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر شرعي.
فأجاب: هذا يراد شيئان:
أحدهما: أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله فإنه يكون متبعا لهواه وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي، فهذا منكر، وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ ابن حمدان اهـ
الوجه السابع: قذارة إفرازات الفرجين ودلالته على التحريم
التلازم بين الخبث والتحريم
قد جاء فيما سبق من حديث أم حبيبة رضي الله عنها تسمية ما يفيض بين الزوجين بالأذى وأنه يدخل فيه المني والمذي ورطوبة فرج المرأة سواء قلنا بدلالته على النجاسة كما هو قول بعض العلماء، أو قلنا بعدم دلالته على النجاسة كما هو قول الحافظ رحمه الله تعالى، ومعنى الأذى هو الشيء المستقذر من نجاسة أو غيرها، ولا شك أن المستقذر معدود من الخبائث التي جاءت الشريعة بتحريمها كما قال تعالى في كتابه في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ? وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ?
قال ابن كثير في تفسيره (2/ 338): احتج بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها أو تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها، وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته العرب وفيه كلام طويل اهـ.
وقال العلامة صديق خان في فتح البيان (5/ 35) في هذه الآية: أي المستخبثات كالحشرات والخنازير والربا والرشوة، وقال ابن عباس: يريد الميتة والدم ولحم الخنزير، وقيل: هو كل ما يستخبثه الطبع أو تستقذره النفس، فإن الأصل في المضار الحرمة إلا ما له دليل متصل بالحل اهـ
وحكى القرطبي في تفسيره (7/ 300) عن الشافعي أنه يرى أن لفظ الخبائث في الآية عام في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى اهـ.
وهذا الذي حكاه القرطبي عن الشافعي حكاه أيضا النووي في روضة الطالبين فقال (3/ 275): الأصل الرابع: المستخبثات من الأصول المعتبرة في الباب في التحليل والتحريم للاستطابة والاستخباث ورآه الشافعي رحمه الله تعالى الأصل الأعظم والأعم، ولذلك افتتح به الباب ... اهـ.
وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/ 99): الاستدلال على تحريم ما تستخبثه النفس بقوله تعالى ? كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ ? وبقوله تعالى ? كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ? غاية ذلك الأمر بأكل ما طاب من دون تعرض للمنع من أكل ما لم يطب وهو المستخبث إلا على القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهو هنا بعيد، ولكن إذا ضم إلى ذلك قوله تعالى ? وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ? أفاد المطلوب من تحريم الخبائث اهٍ.
ضابط الاستخباث والاستطياب
قال النووي في المجموع (9/ 25) في ضابط ذلك: المراد بالطيبات ما يستطيبه العرب، وبالخبائث ما تستخبثه، قال أصحابنا: ولا يرجع في ذلك إلى طبقات الناس، وينزل كل قوم على ما يستطيبونه أو يستخبثونه لأنه يؤدي إلى اختلاف الأحكام في الحلال والحرام واضطرابها، وذلك يخالف قواعد الشرع، قالوا: فيجب اعتبار العرب فهو أولى الأمم بأن يؤخذ باستطيابهم واستخباثهم، لأنهم المخاطبون أولا، وهو جيل معتدل لا يغلب فيهم الانهماك على المستقذرات، ولا العفافة المتولدة من التنعم فيضيقوا المطاعم على الناس، قالوا: وإنما يرجع إلى العرب الذين هم سكان القرى والريف دون أجلاف البوادي الذين يأكلون مادب ودرج ... إلى أخر كلامه رحمه الله تعالى.
وقال ابن قدامة في المغني (13/ 316): وما استخبثته العرب فهو محرم لقوله تعالى ? وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ?، والذين يعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة، فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولم يعتبر أهل البوادي لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون: فقال: ما دب ودرج إلا أم حبين، فقال: ليهن أم حبين العافية (3).
¥