ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[13 - 07 - 05, 10:11 م]ـ
- من ارتدى رداء الجود رأس أشكاله وأضداده -
ما رؤي أحدٌ من الشرق إلى الغرب؛ ارتدى برداء الجود واتَّزر بإزار ترك الأذى؛ إلا رأس أشكاله وأضداده، وخضع له الخاص والعام، فمن أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما ملك، وترك الأذى إلى الخاص والعام، ومن أراد أن يهتك عرضه، ويثلم دينه، ويَمَلّه إخوانه، ويستثقله جيرانه، فليلزم البخل.
- حسن الفضائل بإتمامها -
العاقل يبتدئ بالصنائع قبل أن يسأل، لأن الابتداء بالصنيعة أحسن من المكافأة عليها، والإمساك عن التعرض خير من البذل، والصنائع إنما تحسن بإتمامها؛ والتحافظ عليها بعدها، لأن بصلاح الخواتم تزكو الأوائل، والعطية بعد المنع أجمل من المنع بعد العطية.
- المروءة -
اختلف الناس في كيفية المروءة: فمن قائلٍ قال: المروءة ثلاثة: إكرام الرجل إخوان أبيه؛ وإصلاحه ماله؛ وقعوده على باب داره.
ومن قائل قال: المروءة: إتيان الحق، وتعاهد الضيف.
ومن قائل قال: المروءة: تقوى الله، وإصلاح الضيعة، والغداء والعشاء في الأفنية.
ومن قائل قال: المروءة: إنصاف الرجل من هو دونه، والسمو إلى من هو فوقه، والجزاء بما أُتي إليه.
ومن قائل قال: مروءة الرجل: صدق لسانه؛ واحتماله عُثرات جيرانه؛ وبذله المعروف لأهل زمانه؛ وكَفُّه الأذى عن أباعده وجيرانه.
ومن قائل قال: إن المروءة: التباعد من الخلُق الدَّنِيِّ فقط.
ومن قائل قال: المروءة: أن يعتزل الرجل الريبة، فإنه إذا كان مريباً كان ذليلاً، وأن يصلح ماله، فإن من أفسد ماله لم يكن له مروءة، والإبقاء على نفسه في مطعمه ومشربه.
ومن قائل قال: المروءة: حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يعاب منه.
ومن قائل قال: المروءة: سَخَاوة النفس، وحسن الخلق.
ومن قائل قال: المروءة: العِفَّة والحِرْفة، أي يَعفُّ عما حرم الله، ويحترف فيما أحل الله.
ومن قائل قال: المروءة: كثرة المال والولد.
ومن قائل قال: المروءة: إذا أُعطيت شكرت، وإذا ابْتُلِيت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت.
ومن قائل قال: المروءة: حسن الحيلة في المطالبة، ورقة الظرف في المكاتبة.
ومن قائل قال: المروءة: اللطافة في الأمور، وجودة الفطنة.
ومن قائل قال: المروءة: مجانبة الريبة؛ فإنه لا ينبُل مريب؛ وإصلاح المال؛ فإنه لا
ينبُل فقير؛ وقيامه بحوائج أهل بيته؛ فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره.
ومن قائل قال: المروءة: النظافة، وطيب الرائحة.
ومن قائل قال: المروءة: الفصاحة؛ والسماحة.
ومن قائل قال: المروءة: طلب السلامة، واستعطاف الناس.
ومن قائل قال: المروءة: مراعاة العهود؛ والوفاء بالعقود.
ومن قائل قال: المروءة: التذلل للأحباب بالتملق؛ ومداراة الأعداء بالترفق.
ومن قائل قال: المروءة: ملاحة الحركة، ورقة الطبع.
ومن قائل قال: المروءة: هي المفاكهة؛ والمباسمة.
- تفقد الأسباب التي تثلم المروءة -
الواجب على العاقل تفقد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه حتى لا يثلم مروءته؛ فإن المحقرات من ضد المروءات؛ تؤذي الكامل في الحال بالرجوع في القهقرى إلى مراتب العوام وأوباش الناس.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[13 - 07 - 05, 10:14 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[14 - 07 - 05, 05:42 م]ـ
- المروءة ترفع صاحبها -
إن المنازل متنازعة مشتركة على قدر المروءة؛ فالمرء ترفعه مروءته من المنزلة الوضيعة إلى المنزلة الرفيعة، ومن لامروءة له يحط نفسه من المنزلة الرفيعة إلى المنزلة الوضيعة؛ وإن الارتفاع إلى المنزلة الشريفة شديد والانحطاط منه هين؛ كالحجر الثقيل رفعه من الأرض إلى العاتق عسر و وضعه إلى الأرض هين.
وإن الرجل ذا النبل والمروءة يكون خامل الذكر منخفض المنزلة؛ فتأبى منزلته إلا أن تشب وترتفع؛ كالشعلة من النار يضربها صاحبها وتأبى إلا إرتفاعاً.
- لباس أهل المروءة -
اعلم أنك واجد رغبتك من الإخاء عند أقوام قد حالت بينك وبينهم بعض الأبهة التي تعتري أهل المروءات فتحجز منهم كثيراً ممن يرغب في أمثالهم؛ فإذا رأيت أحداً من أولئك قد تعثر فأقله.
- الخيّر من ترفع عن ذكر معايب الناس -
الأخيار يترفعون عن ذكر معايب الناس؛ ويتهمون المُخبِر بها؛ ويؤثرون الفضائل ويتعصبون لأهلها؛ ويستصغرون فضائل الروساء؛ ويطالبون أنفسهم بالمكافأة عليها وحسن الرعاية لها,.
- فضل المال ومدح الغنى -
ما الإخوان ولا الأعوان ولا الأصدقاء إلا بالمال؛ ووجدت من لامال له إذا أراد أمراً قعد به العدم عما يريده، كالماء الذي يبقى في الأودية من مطر الشتاء لا يمر إلى نهر ولا يجري إلى مكان إلى أن يفسد وينشف ولا ينتفع به، ووجدت من لا إخوان له لا أهل له، ومن لا ولد له؛ لا ذكر له، ومن لا مال له؛ لا عقل له، لأن من نزل به الفقر لا يجد بداً من ترك الحياء، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره مقت نفسه، ومن مقت نفسه كثر حزنه، ومن كثر حزنه قل عقله وارتبك في أمره، ومن قل عقله كان أكثر قوله وعمله عليه لا له، ومن كان كذلك فأحْرَ به أن يكون أنكد الناس حظاً، ثم إن الرجل إذا افتقر قطعه أقاربه وإخوانه وأهل وده؛ ومقتوه ورفضوه وأهانوه؛ واضطره ذلك إلى أن يلتمس من الرزق ما يغرر فيه نفسه ويفسد فيه آخرته فيخسر الدارين جميعاً، وإن الشجرة النابتة في السباخ المأكولة من كل جانب، كحال الفقير المحتاج إلى ما في أيدي الناس، ووجدت الفقر رأس كل بلاء؛ ومعدن النميمة؛ وجالباً إلى صاحبه كل مقت، ووجدت الرجل إذا افتقر اتهمه من كان له مؤتمناً؛ وأساء به الظن من كان يظن به حسناً، فإن أذنب غيره كان هو للتهمة موضعاً، وليس من خلة هي للغني مدح إلا وهي للفقير ذم، فإن كان شجاعاً قيل أهوج، وإن كان جواداً سمي مبذراً، وإن كان حليماً سمي ضعيفاً، وإن كان وقوراً سمي بليداً، وإن كان صموتاً سمي عيياً، وإن كان لسناً سمي مهذاراً، فالموت أهون من الحاجة التي تحوج صاحبها إلى المسألة ولا سيما مسألة الأشحّاء واللئام، فإن الكريم لو كُلِّف أن يدخل يده في فم الأفعى فيخرج منه سماً فيبتلعه؛ كان ذلك أهون عليه وأحب إليه من مسألة البخيل اللئيم
¥