تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولفظ [الإسلام] يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص، وقد علم أن الرسل جميعهم بعثوا بالإسلام العام المتضمن لذلك، كما قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ} [المائدة: 44]،وقال موسى: {إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84]، وقال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ} [البقرة: 112]، وقال الخليل ـ لما قال له ربه: {أَسْلَمَ} قال ـ: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} ويعقوب أيضًا وصى بها بنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 131، 132]،وقال يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف: 101] ونظائره كثيرة.

وعلم أن إبراهيم ـ الخليل ـ هو إمام الحنفاء المسلمين بعده، كما جعله أمة وإمامًا، وجاءت الرسل من ذريته بذلك، فابتدعت اليهود والنصارى ما ابتدعوه، مما خرج بهم عن دين الله الذي أمروا به وهو الإسلام العام؛ ولهذا أمرنا أن نقول: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7] وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون)،وكل من هاتين الأمتين خرجت عن الإسلام وغلب عليها أحد ضديه، فاليهود يغلب عليهم الكبر ويقل فيهم الشرك، والنصاري يغلب عليهم الشرك ويقل فيهم الكبر. وقد بين الله ذلك في كتابه فقال في اليهود: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ} وهذا هو أصل الإسلام إلى قوله: {ٌوَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 83: 87].

وهذا اللفظ ـ الذي هو لفظ الاستفهام ـ هو إنكار لذلك عليهم، وذم لهم عليه، وإنما يذمون على ما فعلوه، فعلم أنهم كانوا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى/ أنفسهم استكبروا، فيقتلون فريقًا من الأنبياء، ويكذبون فريقًا، وهذا حال المستكبر الذي لا يقبل ما لا يهواه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر الكبر في الحديث الصحيح بأنه: (بَطَر الحق وغَمْط الناس)، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). فقال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا أفمن الكبر ذاك؟ فقال: (لا، إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر بَطَر الحق وغَمْط الناس)،وبطر الحق: جحده ودفعه، وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم.

وكذلك ذكر الله الكبر في قوله بعد أن قال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ} إلى أن قال: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف: 145، 146]. وهذا حال الذي لا يعمل بعلمه بل يتبع هواه وهو الغاوي كما قال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الآية [الأعراف: 175، 176]، وهذا مثل علماء السوء، وقد قال لما رجع موسى إليهم: {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]، فالذين يرهبون ربهم، خلاف الذين يتبعون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير