تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

? الدلالة المحكمة لقولة ـ تعالى ـ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].

هذه الآية دلالتها محكمة على التغطية، يتبين ذلك بالوجهين التاليين:

- الوجه الأول: في الآية جاء الفعل «ظهر» وليس «أظهر» فالاستثناء يعود إلى ما يظهر من المرأة، من زينتها، بدون قصد، فلا يُحمَل على الوجه إذن، لأن الوجه يظهر بقصد.

- الوجه الثاني: أن الزينة في لغة القرآن والعرب، تطلق على ما تزينت به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي واللباس؛ فتفسير الزينة بالوجه والكف خلاف القرآن وكلام العرب.

وممن قال بدلالة الآية على التغطية جمع من السلف، منهم: ابن مسعود، والنخعي، والحسن، وأبو إسحاق السبيعي، وابن سيرين، وأبو الجوزاء.

ثم إن هذه الآية عمدة القائلين بالكشف، حيث ورد في تفسيرها قول ابن عباس، ومن تبعه: «الوجه والكف» وتلقَّف هذا القول كثير من الناس، وحملوه على معنى جواز كشفهما للأجانب؛ وهذا فيه نظر من جهة ابن عباس نفسه؛ حيث سبق قوله في آية الجلباب، وهو صريح واضح لا يحتمل إلا معنى واحداً هو: وجوب غطاء الوجه، مع جواز إخراج العين، لأجل الرؤية. فإن أُخذ قوله هنا في الآية على معنى: جواز كشفهما للأجانب؛ فهذا تناقض، وحاشاه، ولا يلجأ إلى هذه النتيجة إلا بعد استنفاد أوجه الترجيح.

لكن إذا عرفنا أن ابن عباس نفسه فسر هذه الآية بأن المرأة تكشفهما لمن دخل عليها بيتها. انتفى الإشكال، واجتمع كلامه، وتلاءم؛ حيث المعنى: أنه يجوز لها أن تظهر ذلك للمحارم، غير الزوج. وقوله كما رواه ابن جرير في التفسير: «والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم؛ فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها»، أي من يحل له الدخول عليها وهم المحارم ولا يُظَن بابن عباس أنه يجيز دخول الأجنبي على المرأة.

فهذا بالنسبة لابن عباس. أما غيره ممن فسر الآية بمثله، فإنه:

- إما أن يكون قد نقل قول ابن عباس، وقصد ما قصده ابن عباس، كما وضحنا آنفاً.

- وإما أنه قصد النهي لا الاستثناء، وبيان ذلك: أن قول من فسر الآية بالوجه والكف يحتمل أمرين:

- يحتمل أنه قصد النهي عن إبدائهما، فيكون كلامه تفسيراً للنهي.

- ويحتمل قصده الاستثناء، كما هو المشهور.

والاحتمال الأول له حظ من النظر، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره، فيكون معنى الآية:

ولا يبدين الوجه والكف، إلا إن ظهر منها شيء بغير قصد.

فيكون هذا مقابل التفسير الآخر:

ولا يبدين بدنهن وما فيه من الزينة سوى الوجه والكف.

فإذا ورد الاحتمالان وصحّا، فليس أحدهما بأوْلى من الآخر، إلا بنص مرجح، والمرجح ينصر الاحتمال الأول (النهي)؛ وذلك بما ورد في الآيتين: الحجاب، والجلباب. من دلائل محكمة واضحة على التغطية. ويؤكد هذا المعنى ما تقرر من توجيه كلام ابن عباس آنفاً، وما ثبت عنه من وجوب غطاء الوجه.

وفي كل حال، فإن هذا التخريج لا يمنع من أن يكون ثمة طائفة قصدت الاستثناء، وقصدت كشف الوجه للأجانب؛ فهؤلاء هم القائلون بجواز كشف الوجه، غير أن المقصود أن ثمة توجيهاً آخر غُفْلاً عن الذكر.

وبهذه الأوجه يثبت القول بوجوب التغطية، وكونها من النصوص المحكمة، والأصول الثابتة؛ فما عارضها، وكان ثابتاً، فهو متشابه، يُحمَل على المحكم، ويُفهم في ضوئه، كأن يكون قبل فرض الحجاب، أو لظرف خاص. والله أعلم.


(*) الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بجامعة أم القرى بمكة.

(1) يشار إلى أن ابن القطان الفاسي المتوفى سنة 628هـ ألف كتاباً بعنوان (أحكام النظر)، تكلم فيه عن الحجاب وجمع الأدلة من القرآن والسنة والمذاهب الفقهية على ما يراه راجحاً في ذلك، وتبعه في ذلك بعض المتأخرين كعطية بن الحسن الهيتي الحموي الشافعي المتوفى سنة 936 هـ تقريباً. ـ ^ ـ

(1) في الباب الثالث: في آداب المعاشرة، وما يجري في دوام النكاح، كتاب آداب النكاح 1/ 729.

(2) 5/ 366 - 367، وذكر هذا أيضاً: الشربيني في مغني المحتاج 3/ 129، (انظر عودة الحجاب 3/ 407).

(3) البحر المحيط 7/ 250.

(4) فتح الباري 9/ 337.

(5) عون المعبود، في اللباس، باب: فيما تبدي المرأة من زينتها 12/ 162.

(1) أخرجه النسائي كتاب البيعة رقم 4110، وأخرجه أحمد في المسند رقم (25675).

للعودة للصفحة الرئيسة

ـ[أبو إبراهيم الأزدي]ــــــــ[17 - 11 - 05, 03:12 م]ـ
وفقك الله وسدد خطاك على هذا النقل وجعله ف يميزان حسناتك

ـ[ابن القرشي]ــــــــ[17 - 11 - 05, 03:51 م]ـ
جزاك الله خيرا ووفقك لما تحبه وترضاه

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدي نسائنا ونساء جميع المسلمين الى كل خير

ويقيهم التبرج والسفور

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير