تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذلك جاز له الانتقال من سبب موتٍ إلى سبب موتٍ آخر، إذا كان في السّبب الّذي ينتقل إليه نوع خفّةٍ مع التّأكّد من القتل فيهما عند أبي حنيفة، قال الزّيلعيّ: ولو قال له: لتلقين نفسك في النّار أو من الجبل، أو لأقتلنك، وكان الإلقاء بحيث لا ينجو منه، ولكن فيه نوع خفّةٍ، فله الخيار إن شاء فعل ذلك، وإن شاء لم يفعل وصبر حتّى يقتل، لأنّه ابتلي ببليّتين فيختار ما هو الأهون في زعمه، وهذا هو مذهب الشّافعيّة.

وعند الصّاحبين من الحنفيّة يصبر ولا يفعل ذلك، لأنّ مباشرة الفعل سعي في إهلاك نفسه فيصبر تحامياً عنه.

أمّا إذا ظنّ السّلامة في الانتقال من سببٍ إلى سببٍ آخر للموت، أو رجا طول الحياة ولو مع موتٍ أشدّ وأصعب من الموت المعجّل، قد صرّح المالكيّة بوجوبه، لأنّ حفظ النّفوس واجب ما أمكن، وعبّر الحنابلة بأنّه هو الأولى، ممّا يدلّ على عدم الوجوب.

10 - ومن أمثلة الانتقال من سبب موتٍ إلى سبب موتٍ آخر ما ذكروا من أنّه لو تبع بسيفٍ ونحوه مميّزاً هارباً منه فرمى نفسه بماءٍ أو نارٍ من سطحٍ فمات، فلا ضمان عليه في قولٍ عند الشّافعيّة، وهو قياس مذهب الحنفيّة، لمباشرته إهلاك نفسه عمداً، كما لو أكره إنساناً على أن يقتل نفسه فقتلها.

فكأنّه يشبه الانتحار عندهم.

والقول الآخر عند الشّافعيّة أنّ عليه نصف الدّية.

أمّا لو وقع بشيءٍ ممّا ذكر جاهلاً به، لعمًى أو ظلمةٍ مثلاً أو تغطية بئرٍ، أو ألجأه إلى السّبع

بمضيقٍ ضمن من تبعه، لأنّه لم يقصد إهلاك نفسه وقد ألجأه التّابع إلى الهرب المفضي للهلاك.

وكذا لو انخسف به سقف في هربه في الأصحّ.

وقال الحنابلة: إذا طلب إنساناً بسيفٍ مشهورٍ فهرب منه، فتلف في هربه ضمنه، سواء أكان من الشّاهق، أم انخسف به سقف أم خرّ في بئرٍ، أم لقيه سبع، أم غرق في ماءٍ، أم احترق بنارٍ.

وسواء أكان المطلوب صغيراً أم كبيراً، أعمى أم بصيراً، عاقلاً أم مجنوناً.

وفصّل المالكيّة في الموضوع فقالوا: من أشار إلى رجلٍ بسيفٍ، وكانت بينهما عداوة، فتمادى بالإشارة إليه وهو يهرب منه، فطلبه حتّى مات فعليه القصاص بدون القسامة إذا كان الموت بدون السّقوط، وإذا سقط ومات فعليه القصاص مع القسامة.

أمّا إذا كان بدون عداوةٍ فلا قصاص، وفيه الدّية على العاقلة.

aa ثانياً: هجوم الواحد على صفّ العدوّ aa

11 - اختلف الفقهاء في جواز هجوم رجلٍ من المسلمين وحده على جيش العدوّ، مع التّيقّن بأنّه سيقتل.

فذهب المالكيّة إلى جواز إقدام الرّجل المسلم على الكثير من الكفّار، إن كان قصده إعلاء كلمة اللّه، وكان فيه قوّة وظنّ تأثيره فيهم، ولو علم ذهاب نفسه، فلا يعتبر ذلك انتحاراً.

وقيل إذا طلب الشّهادة، وخلصت النّيّة فليحمل، لأنّ مقصوده واحد من الأعداء، وذلك بيّن في قوله تعالى: {ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه}.

وقيّده بعضهم بأن يكون قد غلب على ظنّه أن سيقتل من حمل عليه وينجو، وكذلك لو علم وغلب على ظنّه أنّه يقتل، لكن سينكي نكايةً أو سيبلي أو يؤثّر أثراً ينتفع به المسلمون.

ولا يعتبر هذا إلقاء النّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} لأنّ معنى التّهلكة - كما فسّرها أكثر المفسّرين - هو الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الجهاد.

لما روى التّرمذيّ عن أسلم أبي عمران حكايةً عن غزو القسطنطينيّة أنّه " حمل رجل من المسملين على صفّ الرّوم حتّى دخل فيهم، فصاح النّاس، وقالوا: سبحان اللّه، يلقي بيديه إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: يا أيّها النّاس، إنّكم تتأوّلون هذه الآية هذا التّأويل، وإنّما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لمّا أعزّ اللّه الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سرّاً دون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ اللّه قد أعزّ الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل على نبيّه صلى الله عليه وسلم يردّ على ما قلنا {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} فكانت التّهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير