مع أن الحافظ الحازمي رحمه الله قال في كتابه الاعتبار (187): (باب النهي عن دخول الحمام ثم الإذن فيه بعد ذلك .. ـ ثم قال في آخره ـ وأحاديث الحمام كلها معلولة ـ يعني المرفوعات ـ وإنما يصح فيها عن الصحابة رضي الله عنهم) أ. هـ كلامه،وقد ضعفها كذلك الحافظ عبد الحق الأشبيلي كما في الأحكام الوسطى له (1/ 244).
خامساً: ما جاء عن عمر رضي الله عنه فيما كتبه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه. فهذا الأثر لا يصح:
فقد رواه عبد الرزاق (1134) عن ابن المبارك عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي ـ قال ابن الأعرابي ـ: وجدت في كتاب غيري عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بلغني فذكره. ورواه عبد الرزاق أيضاً (1136) من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة فذكره.
ولكن رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فذكره، فزاد فيه عن أبيه، وجعله من رواية الحارث بن قيس.
ورواه سعيد بن منصور أيضاً عن عيسى بن يونس عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... فذكره وانظر البيهقي رقم (13542). ورواه ابن جرير رحمه الله كذلك عن عيسى بن يونس بمثله. ففي رواية ابن المبارك عند عبد الرزاق وعيسى بن يونس عند سعيد بن منصور وابن جرير عن عبادة بن نسي مرسلاً. وزاد إسماعيل بن عياش كما في رواية سعيد بن منصور عن عبادة عن أبيه عن الحارث بن قيس، ونسي والد عبادة مجهول. وانظر: مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن كثير رحمه الله (2/ 601) و سنن البيهقي (7/ 153) وأسقطه في رواية عبد الرزاق فيكون الأثر منقطعاً بين عبادة وقيس بن الحارث، كما أنه جعله من رواية الحارث بن قيس بدل قيس بن الحارث.
وهذا كله يدل على اضطراب إسماعيل في روايته لهذا الأثر. بينما الأثبات رووه عن عبادة مرسلاً، زد على ذلك الاختلاف الكثير في المتن وورود تلك اللفظة المنكرة في بعض رواياته وهي: (فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر ـ وفي رواية أن يرى ـ عورتها إلا أهل ملتها).
والجميع ـ المانعون والمجيزون ـ متفقون على تحريم كشف العورة وتحريم النظر إليها. فإن كان المقصود ما فوق السرة فهذا يؤيد قول من قال بأنه عورة وإن كان المقصود ما بين السرة والركبة فالجميع على اتفاق إلا من شذ بأنه لا يحل إظهاره والنظر إليه إلا لزوج أو سيد فكيف يجوز للمرأة أن تطلع النساء على عورتها إذا كان المقصود المعنى الثاني وعلى كل حال فهذه اللفظة لا تثبت.
وقد صح عن عمر رضي الله عنه خلاف ذلك:
قال عبد الرزاق (1133): عن ابن جريح أخبرني سليمان بن موسى عن زياد بن جارية حدثه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان يكتب إلى الآفاق: (لا يدخلن امرأة مسلمة الحمام إلا من سقم وعلموا نساءكم سورة النور) ففي هذا الأثر إباحة دخوله للمسلمة المريضة لحاجة الاستشفاء، والتأكيد على الاستتار بقوله رضي الله عنه: وعلموا نساءكم سورة النور.
سادساً: ما ذكره المجيزون في احتجاجهم بحديث (أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة " وأخذهم القول بجواز إظهار ما فوق السرة ودون الركبة بدلالة الاقتران والقياس، فيقال: معلوم أن دلالة الاقتران ضعيفة إلا بقرائن تؤيدها، ومن العجيب أن المجيزين يأخذون بدلالة الاقتران في هذا الحديث رغم معارضته لنصوص أخرى كما تقدم في أدلة المانعين، ولا يأخذون بها في الآية الكريمة ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن) الآية.
أما قياسهم فهو قياس مع الفارق " وليس الذكر كالأنثى " قدراً وشرعاً، فلا يصح هذا القياس،وأيضاً فإن مقدار عورة الرجل مختلف فيه بين أهل العلم، فكيف يصح القياس على أصل مختلف فيه.
¥