تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[:: شكر الدعاة::]

ـ[خالد الشبيلي]ــــــــ[21 - 09 - 10, 12:47 م]ـ

[:: شكر الدعاة::]

إن أعظم نعمة يُنعم بها الرب على العبد بأن يستخدمه في الدعوة إليه "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا" ويعمل من أجل نصرة دين الله، ويتأكد فضل هذه النعمة عندما تكون في زمن قلّ فيه العاملون وكثُر فيه المستريحون.

أن يمتنّ الله عليك بنعمة الدعوة إليه وأن تكون من خدام دينه؛ فهذا فضل من الله واصطفاء منه سبحانه وتعالى حيث لم يتركك هملا مع الرعاع خدّام شهوات الدنيا، ولا مع العبّاد في صومعاتهم يترهبون، بل متعلمٌ عاملٌ بما تعلم، تبلغ ولو آية عن شريعة الله ودينه "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة".

وبما أن هذه الدعوة التي منّ الله بها على عباده هي نعمة تستحق منا الشكر، حتى تدوم ولا نُحرم منها ولا من فضلها وبركتها؛ فإن للشكر أنواع ذكرها أهل العلم على عدة أوجه، وهي:

1. شكر اللسان:

بأن يداوم الدعاة وكل عامل في ميدان الدعوة بتذكر هذه النعمة التي منّ الله عليهم بها فيشكرون المنعم سبحانه وتعالى ولايفترون، والتي لولاها لكانوا من القاعدين خداماً لشهوات فكر منحرف أو عقيدة باطلة أو شهوة نازحة، وبذلك يضمنوا مع هذا الشكر بقاء النعمة ودوامها وزيادتها ونموها بأن يزيدهم الله من فضله بكثرة العمل و الجهد والتضحية في سبيله تبارك وتعالى.

2. شكر الجنان:

وذلك بأن يستشعر العامل لدين الله من أعماق قلبه أثر هذه النعمة عليه، والتي كانت سببا في خروجه من دائرة السكون والغفلة والعجز في هذه الحياة إلى دائرة العمل والتضحية والبذل، ثم يشكر الله بأن أنعم عليه بعد ذلك كله بـ (لذة البذل والعطاء لدين الله تعالى).

3. شكر الجوارح والأركان:

وذلك بأن يضاعف العمل والجهد في سبيل نصرة هذا الدين بالتبليغ والإصلاح وتربية النشء على كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم- والسعي على الأرامل والمساكين، ثم تجده لايهدأ له بال إلا وقد ارتفع مشروعه الدعوي، وازدان وازدهر، وأصبح منارة يحتذي بها العاملون لدين الله.

وتراه وقد ضحى بالغالي والنفيس من وقته ودنياه وشهواته من أجل: أن يقدم شكراً لله تعالى بجوارحه، ومشروعاً وإرثاً دعوياً يورث من بعده يجري به نهره الوضاء إلى قيام الساعة.

• إنها بذلٌ وتضحيةٌ .. يعقبها لذة:

ببذل النفس والوقت والمال والدنيا بأسرها والتضحية بكل غالي محبب لي ونفيس مقرب إليّ، ومن أجل هذه الغاية بأن تكون راية الإسلام ومنارات الشريعة وجيل القرآن هم قادة هذه الأمة؛ فما أسمى غايات الدعاة.

ثم بعد ذلك تجد لذة البذل في قسمات وجوههم، وعلى فلتات لسانهم، ووالله إنهم ليقولون إننا في نعمة عظيمة لو علم عنها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، إنها لذة البذل والعطاء والتضحية ... لدين الله.

ومما يربط على قلب المؤمن بعد علو كعبه في الإخلاص لله تعالى أن هذا العمل والتضحية والعطاء الذي قدمه في دعوته لدين الله تعالى لن يذهب هباءً منثورا بل يقابل بالجزاء وخير الإحسان من رب المحسنين "إن الله لايضيع أجر المحسنين"، "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا".

ومما يحسن ذكره في هذا المقام؛ مانُقل عن سماحة الإمام الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (أسبغ الله عليه حلة الغفران إلى يوم الدين وجمعنا الله به في مستقر رحمته .. اللهم آمين) حيث يقول: [من نذر نفسه لخدمة دين الله فسيعيش متعباً، ولكن سيحيا كبيراً، وسيموت كبيراً، وسيبعث كبيراً، والحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله].

وقد صدق، وتمثل بذلك كلِّه فهو القدوة الرباني العالم العامل ويشهد بذلك كلُّ مسلم ومؤمن عاصره، ولا يحتاج مثله إلى سرد مكانته في قلوب الناس من العامة والخاصة، العرب والأعاجم، القريب والبعيد، لأنه بالفعل كان يعيش من أجل رفعة دين الله تعالى مع علو كعبه في الإخلاص لله جل جلاله (نحسبه كذلك والله تعالى حسيبه) ويكفي أنك ترى النور في كلماته وثقة الناس به حتى بعد مماته، وذلك لعمر الله لا يُتحصل إلا بالحياة في سبيل الله.

هذا؛ وإن لهذه اللذة في التضحية والبذل لدين الله تعالى لابد من تعب ونصب، وأذى وابتلاء، حتى يميز الله الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وحتى يرفع الله عباده الصالحين المصلحين، ويزيدهم من فضله؛ ويكون حاديهم في ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام {من يرد الله به خيراً يُصب منه} أي يصيب منه ويبتليه.

لذلك كان ثمن البذل والتضحية غالياً، لايناله إلا من اصطفاه الله من عباده الصالحين.

وقد حدد الإمام حسن البنّا –رحمه الله-ملامح تلك الشخصية الباذلة لدين الله والمضحية في سبيل ذلك بكل شهوات وملذات الدنيا؛ فقال رحمه الله:

"لا أستطيع أن أتصور شخصاً قد سلك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام، على قدر الاستعداد أبدً، إن دُعي أجاب، وإن نودي لبّى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لايتعدى الميدان الذي أعدّ نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي أوقف حياته وإرادته ليجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع في فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وماتفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة".

ومن هنا؛ فإن على الدعاة العاملين أن يشمروا عن سواعدهم، وأن يتخففوا من أثقال هذه الدنيا، وأن يعيشوا حياتهم عزيزة كريمة، من أجل قضية كبيرة وغاية عظيمة، وان يداوموا شكر هذه النعم: قولاً باللسان، وتصديقاً بالجَنان، وعملاً بالجوارح والأركان، حتى يتم حفظها لهم، وتدوم عند ذلك لذة بذلهم، ويعلموا أن نجاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة مرهون بما قدموه لدينهم ودعوتهم، ويعلموا أنهم إن جعلوا الدعوة وتربية النشء ملئ قلوبهم بصدق توجه وحسن مقصد وعلو كعب في الإخلاص لله تعالى؛ فإن الله تعالى سيكفيهم شؤون دنياهم، وماذلك على الله بعزيز.

15/ 1/1431هـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير